27 فبراير 2024

إنعام كجه جي تكتب: درس انتخابي من بلجيكا

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: درس انتخابي من بلجيكا

نظّمت بلجيكا دورة انتخابية تجريبية لكل الشابات والشبّان الذين لم يبلغوا سنّ الثامنة عشرة بعد. وهي السّن التي يمكن للمواطن البلجيكي أن يستخدم فيها حقه في التصويت.

الانتخابات التجريبية كانت واسعة النطاق، أنفقوا على تنظيمها الملايين. وهي نسخة طبق الأصل من الانتخابات التشريعية، أي التصويت الشعبي الحقيقي لاختيار أعضاء البرلمان.

كانت هناك مراكز محدّدة، وصناديق اقتراع، وكابينات معزولة بالستائر تضمن خصوصية الناخب، كما كانت هناك لجنة لتلقّي البطاقات ثم فرزها، ولجنة ثانية لمراقبة نزاهة العملية والتأكد من عدم وجود خروقات، أو تزوير.

إنعام كجه جي تكتب: درس انتخابي من بلجيكا

خارج مراكز الانتخاب، وقف أفراد من الشرطة لتأمين سلامة الناخبين الذين وقفوا في طوابير منتظمة، ينتظرون دورهم في الدخول إلى القاعات. لقد لبّى النداء آلاف من اليافعين والصبايا ممن تتراوح أعمارهم ما بين 15 و17 عاماً، ذهبوا لاختيار مرشّحيهم، والتدريب على ممارسة هذا الحق الديمقراطي حين يبلغون السّن القانونية.

من هم المرشحون؟ ليسوا من السياسيين، أو رؤساء الأحزاب، بل كانت هناك أسماء لفنانين محبوبين، ومطربين للأغاني الشبابية، وأيضاً شخصيات من التاريخ، خيالية أو حقيقية. المهم أن يتعلّم الشاب كيف يذهب ليدلي بصوته لمن يراه جديراً بذلك الصوت، وأن يمارس حقه وفق النظام، وبكامل الحرية.

إنعام كجه جي تكتب: درس انتخابي من بلجيكا

لا أظنّ أن في بلجيكا من يشتري أصوات الناخبين، كما يحدث في بعض بلاد العالم الثالث. وأستبعد أن يقوم المرشحون بتوزيع أكياس الدقيق، وقناني الزيت، على المحتاجين لكي يكسبوا دعمهم. وليست هناك حافلات يستأجرها رؤساء الأحزاب على حسابهم لنقل الناخبين إلى مراكز الانتخاب، لكي يضمنوا وصولهم والحصول على أصواتهم. ليس معنى هذا أنْ لا وجود للرشوة في بلجيكا وغيرها من دول الغرب، لكن شراء الضمائر يبقى حالات محدودة.

كانت ابنتي في السابعة عشرة حين اقتربت الانتخابات الرئاسية في فرنسا. ولكي تتمكن من المشاركة فيها فإن عليها تسجيل اسمها في قوائم الناخبين، مسبقاً، للحصول على بطاقة تخوّلها الانتخاب. وفي البلدية قالت لها الموظفة إنها لا تستطيع تسجيلها لأنها لم تبلغ الثامنة عشرة. أجابت ابنتي بأنها ستبلغها بعد شهرين، أي قبل الانتخابات بأربعة أشهر. وقالت: «أريد أن أكون أوّل فرد في عائلتي ينتخب بشكل حر، وهو ما لم يكن متاحاً لأبي وأمي في بلدهما الأصلي».

فكّرت الموظفة قليلاً، ثم ابتسمت، ووافقت على تسجيل ابنتي، بل وقفت وصافحتها، وتمنّت لها حظاً طيباً.