هناك مشكلة عالمية اسمها «تعالوا نكبر». بعض المهرجانات تكبر وتصل إلى السقف بنجاح. بعضها الآخر يكبر لكنه لا يصل إلى ما يريد، فيبدأ عدّاً تنازليّاً على صعيد، أو آخر. هناك مهرجانات تولد كل سنة، وبعضها يعلن بإصرار أنه على طريق العالمية، منذ عامها الأول.
لكن هناك كذلك المهرجانات التي تمارس عملها على نحو صحيح، لكنها تنزلق لاحقاً نحو فخ من الطموحات التي لا تأتي كما أريد لها أن تنتهي إليه. أحد هذه المهرجانات هو «صندانس» الذي انتهت أعماله قبل أسابيع قليلة.
هناك مثل بريطاني يعبّر عن حكمة: If it’s not broken don’t repaire it
(إن لم يكن مكسوراً لا تصلحه). لكن «الإصلاح» يقع اليوم في كل ناحية، بحجة التطوّر، والطموح، والسعي للإنسجام مع المتغيرات، ومن دون نتائج أفضل من تلك السابقة.
ما حاوله «صندانس» في السنوات العشر الأخيرة، هو أن يصبح كل شيء. يكفي أن فيه برامج عدة، محلية وعالمية، و17 جائزة مختلفة، عوضاً عن سبع جوائز سابقة، وأحياناً ثماني.
هذا نتيجة الطموح الذي يؤدي إلى التخمة، وبعد التخمة لفقدان التميّز، والتحول من مهرجان متخصص وناجح، إلى مهرجان بحجم مهلهل يريد أن يصبح كل شيء معاً.
«صندانس» كان المهرجان الأمريكي الذي كانت تؤمّه السينما المستقلة، والجديدة، والأعمال الأولى لمخرجيها، لكي تستنشق رحيقاً مختلفاً عن المعتاد. شركات هوليوود الكبرى كانت تواظب على حضوره بحثاً عن تلك الكنوز الصغيرة، وتتنافس عليها. المهرجان كان يستفيد كثيراً من انفراده وتميّزه. كان المحطّة التي لابد منها أمام كل موهبة جديدة.
بيئة «صندانس» تغيّرت، ومقارنة ما يعرض فيه حالياً، وما كان يعرض فيه سابقاً، دليل واضح على ذلك. كل المخرجين المستقلين ذوي الإنجازات الكبيرة عرضوا أفلامهم الأولى هناك: نيكولاس باين، الأخوان كووَن، ستيفن سودربيرغ، سبايك لي، جون سايلس، وآخرون كثيرون.
الأفلام الحالية باتت مثل البيع بالجملة.. غزيرة لكنها غير مميّزة، ومعظمها خالٍ من روح الاستقلال السابق. لم تعد هناك اكتشافات فعلية، بل منوال من العروض لا تجد في أغلبيّتها ما ينم عن بهجة الاكتشاف السابق.