12 مارس 2024

إنعام كجه جي تكتب: رجال يخافون النساء

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: رجال يخافون النساء

مرّ اليوم العالمي للمرأة بسلام. هكذا كان يأتي علينا مع بشائر الربيع، ثم يرحل ما بين قبول، أو عزوف. هناك من تحتفل وترسل التهاني للصديقات، وتتقبّل باقة ورد من أسرتها، وهناك من تراه عيداً لا يضيف ولا ينقص من مسؤولياتها، وهمومها.

حديثي اليوم عن أمر آخر قد يهمّ النساء. وهو التقرير السنوي الذي نشرته قبل أيام الهيئة العليا للمساواة في فرنسا. إنها هيئة حكومية لها وزنها، وظيفتها مراقبة التمييز الجنسي، والحدّ منه.

ومن يقرأ هذا التصنيف سيفهم أن الهيئة تعمل لمنع الظلم الواقع على النساء في مجتمع يبدو متحضراً، لكنه ما زال تحت ضغط العقليات الذكورية، والعنف الزوجي. هناك عشرات الزوجات، والبنات، والحبيبات، اللواتي يفقدن حياتهن في فرنسا، كل عام، برصاصة، أو لكمة قوية من رجل مقرّب منهن. ولهذا السبب خصصت فرنسا الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) من كل عام، يوماً لمحاربة التمييز الجنسي.

لكن ما جاء في التقرير، هذه المرة، يبدو غريباً، بل صادم. وهو أن 37 في المئة من الرجال الفرنسيين يشعرون بالتهديد من تصاعد حركات تحرير المرأة. فكلما ارتفعت وتيرة الحديث عن تمكين النساء، ومنحهن مواقع أفضل في الوظائف، زادت خشية الرجال من فقدان امتيازاتهم في المجتمع. وهو خوف لا يبقى حبيس النفوس، بل يأخذ أشكالاً عدة من المقاومة. هناك ما يشبه التعاضد الذكوري غير المعلن، في فرنسا، لعرقلة مسيرة النساء نحو واقع يعترف بهنّ، وبجهودهنّ، وكياناتهنّ.

يشير التقرير إلى أن المقاومة الرجالية تتخذ من ثلاثة أماكن مواقع لها: العائلة، والمدرسة، ومواقع التواصل. تزداد العبارات المُحبطة لهمّة المرأة، وتنتشر في الفضاء الإلكتروني النكات التي تسخر منها، وهي سخرية لا تقتصر على الجيل القديم «المدبوغ» من الرجال، بل يروّج لها الشباب أيضاً.

هناك اليوم تجمعات على «تيك توك» تحمل عناوين تبدو حميدة: «تراد وايف» أي الزوجة التقليدية، و«ستاي آت هوم جيرلفريند» أي «ابقي في البيت يا صديقتي»، وغيرها من المواقع التي تتغنى بجمال المرأة الصامتة التي لا تطلب حقاً من حقوقها، بل يسعدها أن تمكث في البيت، لا عمل، ولا ممن يعملون، حتى لو كان بلدها يحتاج إلى كل يد عاملة.

لا يحدث هذا في فرنسا وحدها، بل نرى الظاهرة في مجتمعاتنا العربية. شابات يبحثن عن العريس الثري من دون التفات إلى صفات أساسية غير الثراء. إنه «الفرعون» الذي عليك أن تصمتي في حضوره، وألّا تنطقي بكلمة، حسب وصايا الوليّة الصالحة، ياسمين عز.

من الطبيعي أن يحاول الرجال الدفاع عن القلعة التي وفّرت لهم عيشة مريحة على مرّ العصور. فإذا تغيّر اتجاه الريح سارعوا إلى وضع العصيّ في دواليب النساء. أفهمُهم وأعذرُهم من دون أن أنصح المرأة بالاستكانة للظلم. من حقها أن تتعلم، وأن تشتغل، وأن تنال إرثها الشرعي، وأن تختار زوجها، وأن تحضن أطفالها، وأن تكون صاحبة قرار في مصيرها. أن تكون، باختصار، سعيدة وتعيش دنياها.

لست من أنصار اشتعال داحس وغبراء بين الجنسين. وأرى حولي رجالاً جاهلين مساكين، لم يهذبهم دين ولا علم، ورجالاً محترمين يقدّرون الزوجة، والبنت، والشقيقة. ولا أميل إلى أولئك الذين يصبّون الزيت على النار. هل من الطبيعي أن يخاف نصف البشرية من النصف الثاني؟