منذ الحلقة الأولى لمسلسل «مسار إجباري»، شعر المشاهد بأنه أمام عمل مختلف ومميّز، على مستوى الكتابة والإخراج، وكذلك الأداء، بتوليفة تمزج بين عالمين مختلفين، لأبناء الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة، بأدوات كل منهما، من دون خلط في المفاهيم، والأفكار، والعادات والتقاليد.
هذا ما قام السيناريو بغزله ببساطة، ورؤية واضحة، من دون اللجوء إلى «حشو زائد» لا يخدم الدراما، أو إضافة مزيد من القضايا الفرعية التي يمكن أن تشتت المشاهد، مع التركيز على القضية الرئيسية، من دون إغفال التفاصيل، ومنحها حقها في خدمة كل مشهد لإشباعه.
من دون أن يدري، يجد المشاهد نفسه جزءاً من الحدث، والأخوين غير الشقيقين، «حسين» الذي جسده أحمد داش، و«علي» الذي جسد عصام عمر، يعيش معهما قضية تغيّر مجرى حياتهما، وإحساس أمّ كل منهما «عنايات» التي جسدتها الفنانة بسمة، و«إحسان» التي جسدتها الفنانة صابرين، وتناول غير تقليدي بأداء غير تقليدي لشخصيتي «الضرّتين».
نجح فريق الكتابة «باهر دويدار، أمين جمال، محمد محرز، ومينا بباوي»، في كتابة سيناريو مكون من 15 حلقة، من دون مشاهد مجانية لا تخدم الدراما، بمشاهد سريعة ومتلاحقة، ركزت بشكل مباشر على القضية التي يطرحها العمل بشكل مباشر، عبر حبكة «بوليسية» من خلال جريمة قتل يسعى لفك شفرتها أخوان شابان يجدان نفسيهما فجأة في مواجهة عصابة من المجرمين، فيكتشف كل منهما الآخر.
تزيد المحنة من اقتراب الأخوين من بعضها بعضاً، بأسلوب يؤكد فهم كُتّاب السيناريو لطبيعة شخصيات وحياة الجيل الحالي، بأحلامه، وطموحاته، وإحباطاته وإخفاقاته، على كل الصعد، وتأكيد قيمة العلاقة بين الإخوان، حتى لو لم يكونوا من نفس الأب والأم، وكيف أنه رغم الاختلاف الشديد في تكوين الشخصية بين شقيقين لم يتعرّفا إلى بعضهما بعضاً من قبل، يكتشفان أنهما بحاجة ماسة إلى بعضهما بعضاً، بحثاً عن السند، والدعم، والمحبة غير المشروطة.
المؤكد أن البناء الدرامي لسيناريو بحبكة متقنة، أتاح للمخرجة نادين خان تقديم رؤية معاصرة لقضايا المجتمع بطريقة لافتة، قريبة من الواقع، بمشاهد لاهثة تتلاءم مع طبيعة العمل «البوليسي»، وبطليه الشابين، ومصداقية في الرؤية تأكدت في براعة المشاهد الداخلية، كما ظهرت في التصوير الخارجي في مناطق وسط القاهرة، وحي السيدة زينب، ما أضفى مصداقية على الأحداث، فضلاً عن رهانها على بطلَي العمل، الشابين أحمد داش وعصام عمر، اللذين قدما الشخصيتين ببراعة تحسب لكل منهما، وتوفيقها الكبير في اختيار أمّ كل أخ، سواء صابرين أو بسمة، ما يحسب للنجمتين الكبيرتين، حيث قدمتا شخصيتي «الضرّتين» بطريقة لم يتوقعها المشاهد، إضافة إلى الفنان رشدي، الذي جسد شخصية محامٍ شهير، واسع الثراء، لكنه فاسد ويتورط في ممارسات مشبوهة سعياً وراء المال، فنجح في اكتساب كراهية الجمهور، مثلما نجح من قبل في كسب حبه وتعاطفه في شخصية «عم ربيع»، في مسلسل «تحت الوصاية»، العام الماضي، إضافة إلى ظهور النجوم محمود البزاوي، ومحمد لطفي، وخالد الصاوي، كضيوف شرف، كعامل خبرة في العمل، ما أعطى ثقلاً فنياً واضحاً.
* القاهرة: أحمد إبراهيم