روز وسولانج، صديقتان متقاربتان في العمر. وُلدتا في مدينة بوردو، جنوب غرب فرنسا، في ثمانينات القرن الماضي. شخصيتان مختلفتان، لكن رابط الصداقة لم ينقطع بينهما.
انتقلتا للعيش في باريس، وأكملت الأولى دراستها ونالت شهادة جامعية في علم النفس، وبقيت مخلصة لكريستيان، حبيبها الأول، بينما عاشت الثانية حياتها بالطول والعرض، سهرات، وعلاقات عابرة، وسعي حثيث لأن تحقق حلمها وتصبح ممثلة. وفي سنّ الخامسة عشرة حملت بطفل وُلد ليعيش بعيداً عن والدته، حيث تكفّل جدّاه بتربيته.
هذه هي، باختصار شديد، فكرة الرواية الجديدة للكاتبة الفرنسية ماري داريوسك. وهي واحدة من أشهر الكاتبات في فرنسا، وتحقق رواياتها أرقاماً طيبة في المبيعات. لقد اختارت لهذه الرواية عنوان «صناعة امرأة». ففيها نتابع كيف تصنع الحياة المعاصرة شخصيات الشابات الفرنسيات، وتقولبهنّ بقوالب مفاهيم عصرهن.
إنها الرواية التي تحمل الرقم 20 بين مؤلفات ماري داريوسك. كتبتها بأسلوب بالغ الحيوية، وبكلمات واقعية تصل أحياناً حدّ الصدمة. لكنها لم تكن تخترع شيئاً غير موجود، بل تسجل سنوات مضطربة من حياة جيل جنى ثمار تحرر المرأة، وعاصر القرارات الاشتراكية للرئيس ميتران، وعايش ظهور داء «إيدز»، ثم زمن جائحة «كورونا».
كل تلك الأحداث كانت كفيلة بأن تعجن كلاً من روز وسولانج، وتتركهما تختمران قبل أن تنقلهما من براءة الطفولة ونزق المراهقة، إلى عتبة النضج الصعب والمُمِض. امرأتان في الخمسين من العمر، صديقتان بطبعين مختلفين، ومصيرين متباعدين، لا يجمع بينهما سوى صور الطفولة في مسقط الرأس.
هناك في الرواية مواقف مؤلمة، وأخرى تحفل بالسخرية والضحك. وهناك عشرات الشخصيات الجانبية التي رافقت كلاً من الشخصيتين الرئيسيتين، من قرب أو من بعيد، وساهمت في «صناعتهما». إن الفرد هو في النهاية من صنع الظروف، لاسيما إذا كان امرأة من جيل يشهد ثورة حقيقية على صعيد المساواة، أو العدالة، بين الجنسين.
هل تكون الطبيبة العاقلة في نظر المجتمع، أكثر سعادة من صديقتها التي أصبحت ممثلة؟ وما هي تلك التقلبات التي تتدخل، مثل يَدَي نحّات بارع، لكي تنحت بإزميلها ملامح جيل نسائي لا يشبه ما نشأت عليه الأمهّات والجدّات؟
رواية حميمة صادقة ومؤثرة، مكتوبة بقلم بالغ الحساسية، عن مجتمع ذكوريّ يقسو على المرأة، حتى وهو يمنحها الحرية التي طالبت بها.