كانت القصص أداة للترفيه عن الناس، لكنها أصبحت من أهم تقنيات المعالجة التي تستخدمها المعاهد الطبية لتحسين سلامتهم، بعيداً عن الأدوية التي تفوق تبعاتها آلام الداء نفسه.
ومنذ نجحت القصة التي روت حكاية امرأة شابة استخدمت تقنية تسمير البشرة فأصيبت بسرطان الجلد، في إقناع طلبة جامعة بأضرار هذه التقنية ومخاطرها أكثر مما فعلته البحوث التي قدمت لهم أدلة علميّة بالأرقام المؤكدة حول أخطار هذه التقنية، أصبحت استراتيجية المعهد الأساسية تعتمد رواية القصص لشرح خطورة الأدوية، وسلبياتها المؤثرة في صحة الناس، وصارت تلفت انتباه الناس للمشاكل التي يمكن أن يحدثها تناول الأدوية بصورة خاطئة، وتمكنت من تشجيعهم على التصرف في مثل هذه المواقف بحكمة.
وتعمل القصص القصيرة بشكل جيّد، ليس على الإقناع فقط، بل وكذلك على تشجيع الناس على التقدم والنجاح في أكثر من مجال، لأنها تدفعهم إلى التصرف بشكل مستنير بناء على ما يسمعونه من حكايات الناس الواقعية، ولأن القصص الإنسانية الحقيقية هي التي تجعلهم يفهمون، ويتذكّرون، ويقبلون المعلومات الجديدة، أكثر مما تفعله الدراسات والبحوث العلمية المحكمة.
وبغضّ النظر عن مدى قوة البيانات التي تنتج من الأبحاث والدراسات التي تستهدف سلامة المرضى، لكنها أقل تأثيراً من القصص بسبب اعتمادها على الأرقام، وخلوّها من الحكايات التي تبقى الأكثر مصداقية، والأقرب إلى نفوس الناس، وتؤدي إلى التعلّم والتغيير المنشودين، ولا تستطيع أي تقنيات أخرى منافسة القصص في ذلك.
وتبرهن الإعلانات التي تعتمد القصص في أي مجال، أنْ لا شيء أقوى تأثيراً في الناس من الحكايات التي تتعلق بأشخاص يشبهونهم، ويفكرون كما يفكرون، ما يدفع الناس إلى التعلّم، وتغيير أنفسهم، ليقوموا بما يفعله الآخرون.
وتجذب القصص الانتباه لأنها تكشف المشكلات بطريقة تستحوذ على اهتمام المستمعين، وتقودهم إلى التفكير بعمق، وتجعلهم يتخيّلون ما يمكن أن يحدث لو أخطأوا، أو ارتكبوا الخطأ نفسه الذي وقع فيه غيرهم، كما تجعلهم القصص أكثر حذراً في المستقبل، لأنهم سينسون الأرقام والإحصاءات، لكنهم لن ينسوا القصة التي رويت لهم أبداً.
لقد عملت القصص منذ القدم على توصيل المعلومات، ونقل الأعراف الثقافية، وفهم التجارب السابقة، والتعبير عن المشاعر، ويقبلها الناس ببساطة، ومن دون تعقيد، أو حتى تفكير في صحة ما جاء فيها، لأنها تسرد تجربة عاشها أشخاص من قبلهم، ولأنها تعبير عن مواقف إنسانية واقعية حدثت لأشخاص يشبهونهم، ويمكن أن تتكرر معهم.
وكما تحذّر القصص الناس، وتساعدهم على التغيير، تؤدي إلى خلق التعاطف، وتعزّز الشفاء أثناء تناقل التجارب، وتزيد من إحساس الجميع بالانتماء لمجتمع تتشابه فيه حكاياتهم مع حكايات الآخرين.
وأصبح الأطباء ومصانع الأدوية اليوم، أشد اهتماماً بمشاركة الموظفين والعاملين داخل مؤسّساتهم، بالقصص التي تدور حول المخاطر والأخطاء الواقعية، بغرض تحسين السلامة، وكي يتعلّم الناس من الأخطاء التي وقع فيها غيرهم.
وتحظى رواية القصص بقبول واسع، من الأطباء ومصانع الأدوية، ولكن بمعايير خاصة، تبدأ من حذف التفاصيل غير الضرورية، ووصف المخاطر التي تؤدي إلى الضرر، والدروس المستفادة، وإجراء تغييرات طفيفة على القصة، بحيث تتمكن من استهداف أكبر شريحة مجتمعية، وأن تحقق الغرض من ذلك بإقناع أكبر عدد ممكن من الناس.