هل سبق وأن كتبت عن هذه الظاهرة؟ نعم. وسأكتب ثانية، وثالثة، لأن الزمام يكاد يفلت من الأيدي. أقصد موضوع العنف المنتشر في المجتمعات. وبالتحديد في أوساط الشباب.
قبل أيام قاد حفيدي فرقة من رفاقه ورفيقاته، وصاح بهم: «إلى الهجوم». انطلقوا نحو الفريق المقابل، وفي يد كل منهم غصن هزيل مقتلعٌ من شجرة. رأيت المشهد حين ذهبت للعودة به إلى البيت.
حدث ذلك في ساحة المدرسة بين أطفال لم يتجاوزوا الرابعة. أي أنهم في الروضة، ولم يبلغوا سنّ المدرسة بعد. وكان هناك مراقب، ومعلمتان، لم يحركوا ساكناً.
أُقيم منذ زمن طويل في فرنسا. وهي المرة الأولى التي يتصدر فيها موضوع العنف بين الشباب عناوين الصحف، ويشغل برامج التلفزيون. ستة مراهقين ماتوا قتلاً في غضون أيام، وهم في الطريق خارجين من المدرسة. تنتشر في أوساط الطلاب والطالبات ألعاب من نوع مُهلك تحمل أسماء غريبة: «تسوّق سعيد»، أو «فسحة».
وتقوم اللعبة على اتفاق مجموعة من الرفاق، أو الرفيقات، على استهداف أحد زملائهم، أو زميلاتهم، ونصب كمين له خارج المدرسة، ثم ضربه، بينما يتولى أحدهم تصوير الواقعة بالهاتف، ثم نشر التسجيل على مواقع التواصل.
هذه ليست لعبة بريئة لأن هناك طالبة انتحرت بعد نشر فيلم الاعتداء عليها. لم تتحمل البنت، التي لم تغادر الطفولة بعد، أن تهان أمام أنظار الجميع. شدّت رفيقاتها شعرها وسحَلنَها على إسفلت الطريق، وبعثرنَ محتويات حقيبتها المدرسية. وجّهن لها ضربات بلا رحمة. عنف مجانيّ سببه الغيرة، أو مجرد اختلاف المزاج. ولعل الضرب لم يؤلمها بقدر ما أوجعتها كرامتها المهدورة.
قامت قيامة وزيرة التعليم، وانبرى المحرّرون يكتبون عن تلك الحادثة، وعن عشرات الحوادث المماثلة التي تجري يومياً. إن السؤال واحد: لماذا يجنح الجيل الطالع نحو العنف؟
من الذي علّم حفيدي أن يبحث عن غصن في الحديقة، ويشهره مثل السيف في وجوه أطفال مثله، طول كل منهم لا يزيد على ثلاثة أشبار؟ أعرف أن والدته لا تسمح له بمشاهدة التلفزيون سوى لفترات محدودة يرى فيها أفلام كرتون تناسب سنّه. فهل يرى أطفالنا ما لا نرى؟ يتضايقون من عصبية الآباء ومن ارتفاع أصواتهم؟ هل يشعرون برياح التوتر التي تلفّ المجتمع، وتصل إلى أسماعهم تفاصيل الحروب والنزاعات التي تقتلع أطفالاً مثلهم من أحضان أمهاتهم، وتُشتتهم جثثاً تحت الأنقاض؟
الكلام هنا عن عنف الصغار والمراهقين. ففي مجتمع الكبار والراشدين عنف أشد. والقضاة في محاكم الأحداث لا يعرفون كيف يمارسون المهنة، ولا كيف يحكمون بالقوانين التي تعلّموها. لا يمكن أن يعاقبوا مراهقاً قتل صاحبه بالسجن المؤبد.
هل سيعيش ستين عاماً وراء القضبان؟ قبل أيام أصدر قاضٍ حكماً بالسجن لخمس سنوات على الطالب الذي قام بتصوير مشهد الضرب ونشره في «تيك توك». حتى الإصلاحيات، فقد تحول بعضها إلى مدارس لتعليم الجريمة.
أصعب ما في التسجيلات التي تنتشر على مواقع التواصل أن المعتدين يعمدون إلى نزع ثياب رفيقهم المعتدى عليه. يتركونه عارياً على الرصيف. وعندما تكون الضحية فتاة فإن العقل يعجز عن استيعاب كل تلك الكراهية في نفوس فتيات في سنّ الرومانسية، والأحلام الوردية. طالبات عِلم، ولسنَ بنات شوارع.
حتى الأغاني الشبابية وتسجيلات «الراب» على «تيك توك» ملغومة بعبارات التحريض والتأليب ضد كل من هو مختلف عن القطيع. وعذراً لاستخدام وصف قطيع، لأن من يقومون بهذه الأفعال ليسوا من صنف البشر.