المشكلات لا تأتي فرادى.. ففي حين أعلنت كيت، أميرة ويلز، خبر معاناتها من مرض خبيث، يجد والداها كارول ومايكل ميدلتون، نفسيهما في ضائقة مالية تضطرهما إلى بيع الشركة التي يمتلكانها لبيع مستلزمات الحفلات والأعياد.
اسم الشركة، أو المتجر «بارتي بيسس»، وهو متخصص في بيع لوازم المناسبات السعيدة، والحفلات، وأعياد الميلاد. لكن هذا المتجر الأنيق الذي يشرف عليه والدا زوجة ولي عهد بريطانيا، يمرّ بأزمة مالية منذ ظهور جائحة «كورونا»، ثم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وارتفاع معدل التضخم، وأخيراً الحرب في أوكرانيا. لقد لزم الناس بيوتهم خلال فترات التباعد، ولم يعودوا يجتمعون في لقاءات عائلية، وأعراس، وحفلات أعياد. انتكس المتجر الذي صنع ثروة آل ميدلتون، ووضع ابنتهم في طريق الأمير الشاب الأكثر شهرة في المملكة. كان حلماً وردياً، وحكاية نجاح رائعة، لكنه تحوّل إلى كابوس.
تكاثر الدائنون على الشركة. فقد راهن كثير من المعارف الأثرياء عليها، واشتروا أسهمها. دفع بعضهم صكوكاً سخية وهم يطلبون الآن استعادة أموالهم، الأمر الذي جعل كارول ميدلتون، والدة الأميرة المرشحة للجلوس على عرش البلاد، تشعر بالإحباط والحزن. هذا ما كشفته صحيفة «الديلي ميل» في صيف العام الماضي، وجاء في تقرير للصحيفة، أن كارول كانت ساذجة حين انشغلت عن إدارة شركتها التي تعبت في تأسيسها وتكبيرها لمدة عقود، وتركت أمرها بيد أشخاص آخرين. إنها حزينة لاضطرارها إلى بيع المتجر الذي كانت مصدر فخر لها ولزوجها.
لا يمكن لكارول ميدلتون الانطلاق في تأسيس شركة جديدة، إنها اليوم والدة ملكة المستقبل، ومن واجبها حماية سمعة ابنتها من مشكلات السوق، والمنافسات التجارية. وقال مصدر مقرب من العائلة في تصريح لصحيفة Express UK إن كل ما تفعله عائلة كيت ينعكس على ابنتها الأميرة، وقد يمسّ شعبيتها، ولهذا فإن من الأفضل لوالديها إن يتصرفا بتكتم ومن دون لفت الأنظار. ولكن كيف انقلبت تلك الشركة المزدهرة من الربح إلى الخسارة.
تبخّر ملايين الجنيهات
بدأت القصة عام 1987 يوم أطلقت كارول ميدلتون متجر «بارتي بيسس». كانت تلك شركتها الأولى المتخصصة في بيع لوازم الأفراح عبر الشبكة الإلكترونية. وسرعان ما استهوت الشركة زوجها مايكل، فترك وظيفته في الخطوط الجوية البريطانية والتحق بـ«البزنس» الناجح لزوجته. مع العلم أنهما كانا قد تعارفا عندما كانا زميلين في الخطوط الجوية. أما فكرة بيع لوازم المناسبات السعيدة فقد خطرت لهما عندما وجدا صعوبة في العثور على لوازم مناسبة للاحتفال بالعيد الخامس لميلاد ابنتهما الكبرى كاثلين، التي كان المقربون يسمونها كيت. اللوازم هي أشرطة ملونة، وهدايا صغيرة، وألعاب بسيطة، وحلويات ملونة، وثياب تنكرية، وكل ما من شأنه أن يشغل المدعوين الصغار إلى عيد الميلاد، ويبهج قلوبهم.
شعر الزوجان بأنهما يحققان رغبة رئيسة الوزراء آنذاك، مرجريت تاتشر، التي دعت البريطانيين إلى الخروج من ظروفهم التقليدية والاجتهاد في تأسيس الشركات الخاصة والمقاولات، لتحسين دخل عائلاتهم. وبالفعل نجحت شركة الزوجين ميدلتون، لاسيما وأنها بدأت مع ظهور فكرة البيع عبر «النت». وبلغ من نجاحهما أنهما أصبحا من أصحاب الملايين الكثيرة وسمح لهما بشراء منزل فخم وأنيق في ريف «بيركشاير»، دفعا فيه 4.7 مليون جنيه استرليني. كما أتاحت تلك الثروة الجديدة للزوجين أن يرسلا أبناءهما الثلاثة إلى أرقى مدارس المنطقة، أي «ماربورو كوليج» التي يبلغ القسط السنوي للطالب فيها 43 ألف جنيه استرليني. وفي تلك المدرسة انضمت كيت إلى الحلقة الضيقة لبنات الطبقة العليا في إنجلترا، شابات مراهقات تحلم كل منهن بأن تقع عليها عينا الأمير الوسيم وليام.
لكن الأمور تغيرت بعد تلك الفترة. فقد مرّت الشركة بصعوبات مالية جعلتها تتأرجح مثل المركب الغرقان. وبلغ من تقهقرها أن الملك والملكة، كانا واثقين من أنها في طريقها للبيع. وكانت تلك ضربة موجعة لآل ميدلتون نظراً للمصاهرة مع العائلة المالكة. وزاد من الفضيحة تلك العناوين القاسية للصحف الشعبية التي وصفت الزوجين بـ«الخيانة» لأنهما تخليّا عن شركائهما من أصحاب الأسهم. كان الاتهام الموجه لوالدي أميرة ويلز هو أنهما سمحا لديون الشركة أن تقترب من 3 ملايين جنيه استرليني، وجزء من تلك الديون يعود لبنك RBS الذي أقرضهما مبلغاً كبيراً بسبب توقف نشاط البيع خلال الجائحة. وهناك مبالغ كبيرة مستحقة لمصلحة الضرائب، وغيرها لمؤسسات صغيرة جانبية، ولقروض غير مغطاة. وكان أكثر التصريحات إيلاماً هو ما أعلنه عدد من المساهمين في تصريحات للصحافة من أنهم وثقوا بالزوجين ميدلتون، لأنهما من أقرباء العائلة المالكة، ولم يتصوروا أن شركتهما يمكن أن تعلن إفلاسها. وقالت سيدة من أصحاب الأسهم «إنني أشعر بأن كارول ميدلتون حماة ملك بريطانيا المقبل قد خدعتني».
من جانبهما، واصل الزوجان التذكير بأن كل دائن ومساهم سيستعيد فلوسه في الوقت المناسب. وقد بررا سبب الخسارة في الجائحة التي لم يكن أحد يتوقعها، وكذلك في مغادرة بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة، وتفاقم أزمة المعيشة والتضخم، الأمر الذي خفض من معدلات بيع الكماليات بشكل كبير، وتناقص المال السائل لدى الشركة. وبناء عليه، أعلن جد الأمراء الصغار، وجدتهما، أن الخسارة هي خطوة استراتيجية نحو انطلاقة جديدة، وأكدا في منشور على «إنستجرام» أنهما بصدد استثمار مبالغ ضخمة لاجتذاب أسواق جديدة في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط.
نجدة مالية وجهود إنقاذ
اليوم، يبدو واضحاً أن تلك الوعود لم تؤت ثمارها، ولم ينفع في تحسين الوضع لجوء كارول ميدلتون إلى الاستعانة بمكتب للنجدة المالية متخصص في انتشال الشركات المتعثرة. إنها تعتمد حالياً على المكتب الاستشاري «إنترباث» لتعديل ميزان شركتها. ويمكن للمكتب أن يوصي ببيع الشركة، كلياً أو جزئياً، في حال كان هذا هو الحل الوحيد لتسديد الديون. رغم كل هذا، وبحسب الصحف المتخصصة في قضايا المال والاقتصاد، فإن عدة جهات مساهمة في «بارتي بيسس» انسحبت من الشراكة، منها صاحب متاجر الألبسة الداخلية ستيفن بنتوود، وكذلك الرئيس السابق لنادي «أوكسفورد يونايتد» لكرة القدم داريل إيلس. ولم يبق سوى المليونير الأمريكي إريك أندرسن شريكاً مع آل ميدلتون.
هناك مئات الراغبين في الشراء، خصوصاً بعد وضع الشركة قيد الرقابة القضائية، في ربيع العام الماضي، وانتهت القضية بعقد بيع بخس مع الثري البريطاني جيمس سنكلير. إنه رئيس مجموعة «بارتيمان» لنشاطات الترفيه ورعاية الأطفال، وهو يملك أيضاً شركة ضخمة للمثلجات. ويضمن العقد حقوق الموظفين العاملين في متجري الشركة اللذين كانت قد افتتحتهما، عدا عن البيع بالمراسلة. وقد نقل أحد المقربين من كارول ميدلتون أنها محبطة بسبب الحال الذي انتهت إليه شركتها، وهي قد بذلت جهوداً خرافية خلال الأشهر الخمسة الماضية للعثور على مشترٍ يسدد الديون، وينقذ المتجرين من التوقف.
إنها صفحة انقلبت في مسيرة عائلة ميدلتون. كانت كارول سفيرة لشركة ناجحة طوال سنوات، وحان الآن الوقت لكي تتقاعد من العمل، وتستريح مع زوجها. ثم هناك مرض ابنتيهما الذي أصاب البلاد كلها بالصدمة، ولابد من تقديم كل أنواع الرعاية النفسية والعاطفية لها، ولأطفالها في فترة العلاج الحرجة والمؤلمة. إن الخسارات والمصائب لا تفرق بين غني وفقير، ولا بين أمير وغفير، وتلك من أحكام هذه الحياة.