كانت على قناعة تامة عقب سقوطها في قبضة رجال الشرطة، أنها تعمل في مجال التجارة، وتقدم خدمات جليلة لكل أسرة حُرمت من الإنجاب، ولكل طفل ولد بشكل غير شرعي. قالت إنها لم تأخذ أي حق من الغير، كما ادّعت أنها تمنح الأمل للجميع.
وقدمت مبررات واهية لتبرير جرائمها، مؤكدة أن كل شيء كان بالتفاهم والاتفاق، وبمقابل مادي يكفل تحقيق المكاسب لجميع الأطراف، كانت على قناعة تامة بأنها لم تجبر أي شخص على الاشتراك معها في تجارة البشر، ويبدو أن قلبها قد تحول إلى قطعة من الحجر الصّوان لا يلين، كانت على استعداد لفعل أي شيء مقابل النقود والثروة، إلى أن وقعت في قبضة رجال الشرطة.
بيع وشراء الأطفال في دور الأيتام!
ولدت في كنف أسرة متوسطة الحال، حياتها بسيطة، منحها القدر وجهاً جميلاً، ربما كان بوابة العبور لها إلى عالم الثراء، أو هكذا ظنّت. فور انتهائها من مرحلة التعليم المتوسط التحقت بالعمل في أكثر من مكان، لكنها سرعان ما كانت تترك العمل لأسباب مختلفة، إلى أن استقر بها المقام كموظفة في إحدى دور رعاية الأيتام، على أطراف العاصمة، ومن هنا كانت بدايتها، ونهايتها.
احترفت التزوير والتلاعب بالأوراق الرسمية، بدأت قصتها من خلال الحصول على مقابل مالي كبير نظير ضم أطفال السِّفاح لدور الأيتام بطريقة، أو بأخرى، ثم نوعت من نشاطها بشكل مختلف، من خلال بيع الأطفال بمقابل مادي، لم يكن هذا كل شيء، وإنما كانت تقوم باستبدال الذكور بالإناث، والعكس، عن طريق شبكة عنكبوتية من العلاقات الغامضة، كانت تعتمد بشكل كبير على الموقف الضعيف للضحية التي تضمن ولاءها، وسكوتها للأبد نظراً لتورطها معها سواء في عملية الشراء، أو البيع، كانت تعمل بدقة متناهية، إلى أن ساقتها الأقدار إلى الطريق المُظلم، بالصدفة البحتة.
حلم الإنجاب وتبنّي طفل
على الجانب الآخر، أسرة سعيدة مكونة من زوج وزوجة، حياتهما كانت هادئة، وتسير بشكل طبيعي، لم يؤرق سعادتهما إلا تأخر الإنجاب، رغم مرور أكثر من عامين على الزواج بعد قصة حب كبيرة بين الطرفين، كانت الزوجة تحلم بحياة هادئة، لكن شاء سوء حظها أن تولد بمشكلة صحية تمنعها من الإنجاب، ما سبّب لها مشكلات لا حصر لها، بسبب رغبة زوجها الجامحة في تحقيق حلم الأبوّة، حاولت إقناع زوجها بتبنّي طفل، وتحت ضغط وإلحاح منها، وافق زوجها على مضض لتنفيذ طلبها.
خلافات وطلاق بسبب نسب الطفل
وقعت خلافات كبيرة بينهما بسبب رغبتها في نسب الطفل لها ولزوجها، بما يعني التلاعب بالإجراءات، والتحايل على القانون، والتزوير في الأوراق الرسمية، الأمر الذي رفضه الزوج شكلاً ومضموناً، رغم ما بذلته الزوجة من محاولات لإقناعه بهذا الأمر، إلا أن كل محاولاتها باءت بالفشل، إلى أن وصلت العلاقة بينهما لطريق مسدود انتهى بالانفصال، ثم مضى كل منهما لحال سبيله، ما دفع الزوجة إلى العودة إلى دار الأيتام، وهناك اعتذرت عن عدم استمرارها في إجراءات كفالة أو تبنّي الطفل، بسبب انفصالها عن زوجها.
كانت تقول هذه الكلمات وقلبها ينفطر حزناً على حالها، وقبل أن تهم بالمغادرة همست في أذنيها الموظفة اللعوب، وألقت عليها مفاجأة مدوية من العيار الثقيل. طلبت مقابلتها على انفراد بعيداً عن دار الأيتام، كان طلبها غريباً ومريباً، لكنها شاهدت في عين الزوجة المكلومة نظرات الأسى والحزن الدفين، استغلت هذه النقطة ونجحت في مرادها.
طفل للبيع
تقابل الطرفان في الزمان والمكان المحددين، وأكدت لها الموظفة أنها على استعداد أن تمنحها الطفل الذي تريده، لكن بمقابل مادي يتفق عليه الطرفان. لم يكن هذا كل شيء، وإنما ستقوم أيضاً بنسب الطفل لها، كان الكلام مُثيراً، لكنه جدير بالاهتمام. اتفق الطرفان على المقابل المادي، واختارت السيدة فتاة جميلة لتكون ابنتها، كانت الأمور كلها تسير بشكل سهل، وبسيط، بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الأمر لا يحدث لأول مرة، وإنما حدث قبل ذلك مراراً وتكراراً، تمت الصفقة على خير وانتهى الأمر، ومضى كل طرف في حال سبيله، كأن شيئاً لم يكن.
الزوج فضح المستور
شاهد الزوج بالصدفة البحتة زوجته السابقة في إحدى الأماكن، وبعد أن تبادلا التحية لفت انتباهه أن طليقته بحوزتها طفلة صغيرة، وعندما استفسر عن الأمر أكدت له أنها كريمتها من زوجها الثاني، كان الأمر بالنسبة إلى الزوج السابق جنونياً، وغير منطقي، خصوصاً أن زوجته السابقة كانت تعاني مشكلة مزمنة تمنعها من الإنجاب، ما دفعه للتشكيك في الأمر فقام على الفور بتقديم بلاغ في مباحث شرطة العاصمة، يتهم فيه زوجته السابقة بخطف طفلة، هكذا كانت توقعات، أو تصورات الزوج السابق، ولم يكن يعلم بالمفاجآت التي انكشفت تباعاً.
شبكة الرقيق
تم القبض على الزوجة السابقة ومواجهتها بما هو منسوب إليها، أنكرت في البداية هذا الأمر لكن بتضييق الخناق عليها تبيّن أنها لم تتزوج من الأساس بعد طلاقها، كانت هذه هي المفاجأة الأولى.
أما المفاجأة الثانية فكانت نجاحها في نسب طفلتها إلى زوجها السابق من دون أن يعلم، كان الأمر يمثل صدمة كبيرة لجهات التحقيق، وللزوج السابق الذي لولا الصدفة ما كان اكتشف كل هذا. تم تضييق الخناق على الزوجة التي أكدت أنها قامت بشراء الطفلة من موظفة في إحدى دور رعاية الأيتام، وهي من سهلت لها كافة الإجراءات ليبدو كل شيء بشكل قانوني.
تم تسيير مأمورية أمنية على الفور لسرعة القبض على سمسارة الأطفال، حيث تم القبض عليها، وأمام الأدلة والبراهين وشهادة الزوجة العاقر، لم تتمكن من الإفلات بجرائمها المختلفة، حيث اعترفت بأنها تقوم بهذا الأمر منذ فترة ليست بالقصيرة، بالاتفاق مع أخريات لمنح الأطفال مجهولي النسب أسرة، وكياناً قانونياً.
تمت إحالة المتهمتين إلى النيابة العامة التي أمرت بحبس كل منهما 15 يوماً، على ذمة التحقيقات بتهمة التزوير في الأوراق الرسمية، بالنسبة إلى الزوجة العاقر، أما الموظفة اللعوب فوجهت لها النيابة العامة اتهامات عدة، أبرزها الإتجار في البشر، وخيانة الأمانة والتزوير في الأوراق الرسمية.