يقوم مهرجان «كان»، الذي تنعقد دورته السابعة والسبعين ما بين الرابع عشر والخامس والعشرين من الشهر الجاري (مايو)، بتخصيص أحد عروضه الرسمية خارج المسابقة لفيلم Furiosa: A Mad Max Saga الذي هو الجزء الخامس من سلسلة «ماد ماكس»، علماً بأن المهرجان عرض سنة 2015، الجزء الرابع منه Mad Max:Fury Road، بطولة تشارليز ثيرون، وتوم هاردي. لعبته الإعلامية والفنية جيدة. يوفر أفلاماً فنية وأفلام قضايا، اجتماعية أو سياسية. ثم يختار أفلاماً مرصّعة بالنجوم.
توب غن: مافريك
في 2022 كان دور «توب غن: مافريك» الفيلم الذي بث فيه توم كروز الحياة بعد نحو 36 سنة على تحقيق الجزء الأول. في العام التالي، استقبل المهرجان «إنديانا جونز وقرص القدر» (Indian Jones and the Dial of the Destiny) الذي كان، بالطبع، الجزء الخامس من سلسلة كانت توقفت عن النمو في عام 1989، عندما قام ستيفن سبيلبرغ بتحقيق الجزء الرابع «إنديانا جونز والحملة الأخيرة» (Indiana Jones and the Last Crusade). هذا العام هو موعد الجزء الخامس من «ماد ماكس» وعنوانه Furiosa: A Mad Max Saga
«ماد ماكس» الجديد.. في غياب القانون
كان «ماد ماكس» الأول (1979) جديداً من نوعه، حول رجل شرطة في إحدى صحارى أستراليا يأخذ على عاتقه الانتقام من العصابة التي قتلت عائلته، فقرر ملاحقتها بدراجته النارية، وقتل زعيمها. الحبكة بسيطة، ونراها مكررة في كل فيلم من هذا النوع، لكن ما كان جديداً تكوّن من ثلاثة عناصر رئيسية: العالم من بعد كارثة بيئية، وأستراليا كمكان للأحداث كما لم نرها على هذا النحو من قبل، وشاب غير معروف آنذاك اسمه مل غيبسون.
يمكن إضافة حقيقة أن الصراع ناتج عن غياب القانون، وفقدان النفط في أحداث تقع، حسب ذلك الفيلم، في المستقبل القريب، ما يجعل الصراع حول البحث عن هذين العنصرين صعباً. لا يتضمن الفيلم الكثير حول مسألة فقدان الغاز والنفط في أستراليا، لكنه يستخدم ذلك عنصراً إضافياً.
قام غيبسون، وقد أصبح نجماً بعد هذا الفيلم، بمواصلة القتال في تلك البيئة العارية من الحياة في الجزء الثاني من هذا المسلسل في عام 1981. وبعد أربع سنوات قام المخرج ميلر، والممثل غيبسون، بتقديم جزء ثالث أضخم من سابقيه، وأقل تأثيراً عنوانه «ماد ماكس وراء ثنيدردوم».
للجزء الرابع سنة 2016 تم تغيير الفورميلا صوب عنف أكثر، وحركة دائمة، من منظور شبه مختلف يحتوي على بطلين، هما توم هاردي (في دور ماد ماكس)، وتشارليز ثيرون.
عند هذا الحد فقد «ماد ماكس» بوصلته السابقة التي احتوت على بعض الملامح الإنسانية، والأجواء الجديدة، والصراع الفردي ضد الأعداء، متحوّلاً إلى حبكة من الكرّ والفرّ، والبطولة النسائية في الأساس (كما هو حال الفيلم المقبل). ومع وجود كل هذه الحافلات الضخمة التي تحتاج إلى براميل نفط لتشغيلها، لم تعد مسألة النفط واردة. فقط أن الأحداث تقع، كما يبشّر الجزء الخامس، «ما بعد الانهيار».
يعترف المخرج جورج ميلر، بأن العنف في السينما (على غرار ما يوفّره في سلسلة «ماد ماكس») هو الأجدر بتقديمه إيماناً، منه بأنها توفر أفضل المفادات والأبعاد. ويضع في الاعتبار أن الفيلم العنيف (لنقل على طريقة أفلام سام بكنباه أو جون كاربنتر) هو الذي يستطيع تحريك الخلفية بمضامينها، في حين أن الأفلام الدرامية تأتي، غالباً، إما مباشرة في رسالاتها أو بلا رسالات على الإطلاق.
رسالته هذه وصلت إلى مستقبلي فيلمه الأساسي الأول «ماد ماكس» من دون تورية. لكن ما هو غريب في أمر ذلك الفيلم القبول السريع بما يعرضه. ففي الواقع لا يوفر الفيلم جديداً فعلياً لحكاية الشرطي الذي يريد الانتقام لدرجة إنه يناوئ برغبته تلك أوامر قيادته. هذا ما قام عليه فيلم دونالد سيغل «ديرتي هاري»، مع كلينت ايستوود في البطولة، سنة 1971.
أفلام أخرى على غرار «ماد ماكس»
أخرج ميلر كل هذه الأفلام كجزء من ثروته السينمائية التي يرى أنها تنتمي إلى «سينما المونتاج» (في مقابل السينما التي تعتمد على التصوير). فهمه هذا ليس كاملاً، ويجب ألا يؤخذ به من دون نقاش. فأفلامه في الواقع تعتمد على الصورة لكي تسرد حكاية، وعلى المونتاج لكي تؤلّف الناحية الفكرية منها، لكن الشكل الغالب هو التصوير والأداءات التقنية والميكانيكية، والضروري من المؤثرات البصرية.
هذا هو المنوال الذي جعل السلسلة ثرية الإيحاءات والمشاهد، خصوصاً الجزأين السابقين (لا نعرف شيئاً يُذكر عن الجزء الرابع بعد).
ومع أن مولر بنى شهرته ونجاحه على سلسلة «ماد ماكس»، إلا إنه حقق أفلاماً مختلفة في الموضوعات والمضامين. أفلام جيدة مثل «زيت لورنرو» (1992) وفيلما الرسوم «هابي فيت» الأول (2006) والثاني (2011) إلا إن هناك كذلك حقيقة أن المزيد من حكايات «ماد ماكس» لا تضيف بالضرورة شيئاً إلى الحبكة المستخدمة سابقاً، إلا من حيث اهتمام المخرج بالبيئة والصحراء، وعنف الآلة التي يطاردها ماد ماكس (ليس هناك الكثير من شرح خلفيّته)، أو تطارده.