5 مايو 2024

فيلم "حرب أهلية" Civil War.. ولايات أمريكية تتمزّق وصحفيون في خطر

ناقد ومؤرخ سينمائي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

فيلم "حرب أهلية" Civil War.. ولايات أمريكية تتمزّق وصحفيون في خطر

يبني فيلم «حرب أهلية» موضوعه على بروز هذا الاحتمال في خطب دونالد ترامب، ومن ثنايا الوضع المتأزم في الولايات المتحدة، حيث ترتفع احتمالات وقوع انشقاق وتمرّد بعض الولايات. لكن الفيلم ليس حربياً كما قد يعتقد البعض.

فيلم "حرب أهلية" Civil War.. ولايات أمريكية تتمزّق وصحفيون في خطر

صدّ فيلم «حرب أهلية»، هذا الأسبوع، ثلاث هجمات على موقعه في المركز الأول في «التوب تن». الفيلم الذي يدور حول أربع أفراد من فريق إعلامي ينتقل بمحاذاة حرب أهلية، تقع في الولايات المتحدة، حافظ على مركزه الأول ذاك، ولو بفارق نحيف، بينه وبين الأفلام الجديدة الثلاثة التي سعت لاحتلال موقعه.

أول هذه الأفلام هو Abigail المنتمي إلى سينما الفامبايرز. الثاني هو «وزارة الحرب غير الجنتلمانية» (The Ministry of Ungentlemanly War) والثالث هو Spy X Family Code‪: White.

«حرب أهلية» هو، بالفعل، أفضلها ويستحق مكانته، ولو أن حبكته تتمحور حول تضحيات الصحافة في سبيل نقل الأحداث، وكيف يتعرّض الصحفيون لمخاطر جمّة حين تغطية حرب كهذه، أكثر مما هو عن الحرب الأهلية ذاتها.

من يدخل هذا الفيلم معتقداً إنه مملوء بمشاهد المعارك سيجد نفسه أمام موضوع رئيسي مختلف. ومن سيدخل الفيلم باحثاً عن تعليق سياسي هو أمريكا اليوم أو المستقبل القريب، سيصاب بخيبة أمل. «حرب أهلية» هو ليس فيلماً حربياً (على غرار «فجر أحمر» (Red Dawn) لجون ميليوس (1984) حيث يحارب الأمريكيون غزواً روسياً للبلاد، و«سقوط أولمبوس» (Olympus Has Fallen) لأنطوان فوكوا (2013) حيث ينجح الكوريون الشماليون في تدمير البيت الأبيض). لكن هذا لا يعني أن «حرب أهلية» خالٍ من المعارك (واحدة محدودة في البداية وأخرى كبيرة في النهاية)، أو من خيوط سياسية في الخلفية.

فيلم "حرب أهلية" Civil War.. ولايات أمريكية تتمزّق وصحفيون في خطر

الفيلم في صُلبه يدور حول الإعلاميين، وحياتهم الخطرة خلال قيامهم بواجباتهم الصحفية. الفترة الزمنية التي نتابع أحداثها تقع في مستقبل غير بعيد على الإطلاق. إنه كناية عن وقوع حرب أهلية بين بعض الولايات، ومحاولة المنشقين الوصول إلى البيت الأبيض، وقتل الرئيس. جيرارد بتلر، ليس هنا لإنقاذ الرئيس، كما فعل في «سقوط أوملبوس» في 2013، وباقي السلسلة، ولا الفيلم يحتوي على أي بطولات قتالية.

فيلم "حرب أهلية" Civil War.. ولايات أمريكية تتمزّق وصحفيون في خطر

هو فيلم عن الصحافة في زمن صعب، يستل بعض إيحاءاته مما تردّد مؤخراً حول احتمال نشوب حرب أهلية جديدة (الأولى ما بين 1861 و1865) إذا ما خسر دونالد ترامب جولته الرئاسية. مَعني بحكاية أربعة صحفيين، هم سامي (ستيفن ماكينلي هندرسن)، لي (كيرستن دنست) جووَل (واغنر مورا) وجسي (كايلي سبايني). هذه الأخيرة التحقت بالصحافة مؤخراً. ولا تزال خضراء بلا خبرة، وستحذّرها لي بخطورة ما ستتلقفه لكنها تُصر. في النهاية صار لديها خبرة وجرأة والعنف الذي كان جديداً عليها يصبح جزءاً من حياتها العملية.

فيلم "حرب أهلية" Civil War.. ولايات أمريكية تتمزّق وصحفيون في خطر

لابد من القول هنا أن الفيلم لا يحاول الدخول في تفاصيل الوضع سياسياً. مَن ضد مَن، ولماذا، أمران يأتي ذكرهما عابراً، لكن محور الفيلم ليس عن الأسباب، بل عن النتائج. هناك مشهد حابس للأنفاس عندما يوقف مجنّدان لا نعرف انتماءهما ستة صحفيين (بينهم الأربعة المذكورين) ويقتل إثنان منهم، بدم بارد. في فيلم آخر كان يمكن لصانعي الفيلم منح هذين المجنّدين مرجعية ما، لكن المخرج وكاتب السيناريو أليكس غارلاند، يريد اصطياد الموقف وليس من يقف وراءه.

فيلم "حرب أهلية" Civil War.. ولايات أمريكية تتمزّق وصحفيون في خطر

هذا يختلف حتى عن أفلام جيّدة حول الصحفي في الحرب. لدينا «حروب صغيرة» لمارون بغدادي (1982) و«دائرة الخداع» لفولكر شلندروف عن الحرب الأهلية اللبنانية (1983)، و«تحت النار» للجيد والمنسي روجر سبوتيسوود، لكن كل واحد من هؤلاء هدف لتقديم رؤية سياسية من خلال بطله، أو (بالنسبة لفيلم سبوتيسوود) أبطاله. «حرب أهلية» يملك الجرأة في تقديم فريقه من الصحفيين الذين يسعون للحفاظ على مسافة بينهم، وبين الدوافع، لكنهم يفقدون المسافة الكافية بينهم وبين المخاطر والأحداث ذاتها.

فيلم "حرب أهلية" Civil War.. ولايات أمريكية تتمزّق وصحفيون في خطر

يمر الفيلم ببعض فترات من مشاهد تبدو كما لو أنها لا تريد دفع الأحداث صوب ذروتها، لكن ما أن يتبدّى للمشاهد غاية الفيلم من موضوعه وحكايته، تتضح حقيقة ما يرغب هذا المخرج إنجازه. يعمد المخرج للاستعانة بأغاني قليلة عوض استخدام الموسيقى التأثيرية ويجيد تصوير ما يجري على الأرض وانعكاس ذلك على أولئك الصحفيين الذين لا ينتمون إلا لعملهم ويدفع بعضهم حياته في سبيله.

 

مقالات ذات صلة