08 مايو 2024

هل يكون الفيلم القصير طريقاً للفيلم الطويل؟.. استعراض لأفلام عربية قصيرة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

هل يكون الفيلم القصير طريقاً للفيلم الطويل؟.. استعراض لأفلام عربية قصيرة

من بين الأسئلة المتكررة في عالمنا العربي، هو: ما نفع الأفلام القصيرة، وهل هي الطريق الفعلي لقيام المخرج، ذكر أو أنثى، للانتقال منها إلى الأفلام الطويلة؟

الجواب، باختصار، نعم. يمكن أن تكون الطريق إلى سينما الأفلام الطويلة، ويمكن ألا تكون. يتوقف ذلك على ما قد يتوفر للمخرج من ظروف ومعطيات تحقيق الفيلم الطويل الأول بعد ذلك.

لكن الملاحظ أن العديد ممن يقدِمون على إنجاز الأفلام القصيرة ينقطعون بعد ذلك، لأن الظروف الإنتاجية، وربما المعيشية كذلك، لا تتيح لهم الاستمرار.
في الأيام القليلة الماضية، انغمس هذا الناقد في عدد من الأفلام العربية القصيرة التي تحمل طموحاً يجعل أصحابها مؤهّلين فعلاً للانتقال إلى رحى الفيلم الطويل، إذا ما تجاوزوا تلك الصعوبات.

«فيه حدا عايش؟».. إنها الحرب

أول فيلم عن أحداث غزّة اليوم قصير عنوانه «فيه حدا عايش؟»، لعمر العماوي. بعده سيكون هناك أفلام أخرى بلا ريب. لكن رغم أن بعض أهمية هذا الفيلم تاريخية، لكونه الفيلم الأول غير الريبورتاجي، إلا أن ما هو أهم وأجدى هو إنه فيلم جيد الإخراج والكتابة والموسيقى. في الواقع هو مثل وردة تنبع في أرض الركام.

يبدأ بمشهد حالك الظلمة، وصوت لاهث. إنه صوت الرجل المدفون حيّاً تحت أنقاض بيته إثر قصف إسرائيلي. بعد اللهاث يبدأ بالدعاء، ثم يرفع صوته عالياً طالباً النجدة، متسائلاً إذا ما كان هناك من يسمعه. بعد قليل يدرك أن ابنه الصغير معه في المكان، لكن كيف سيجده والظلام حالك؟
فيلم بسيط التنفيذ، عميق الدلالات، وحابس للأنفاس.

هل يكون الفيلم القصير طريقاً للفيلم الطويل؟.. استعراض لأفلام عربية قصيرة

«المفتاح».. صاحب البيت موجود

تتكرر الظلمة في العديد من هذه الأفلام. قد تكون «موضة» لبعضها، لكن بعضها الآخر يستخدم الظلام كجزء من المعايشة مثل فيلم «المفتاح»، لركان مياسي.

هذا فيلم فلسطيني- بلجيكي الإنتاج ناطق بالعبرية عن عائلة إسرائيلية مؤلفة من زوج وزوجته، وابنتهما الصغيرة التي تستيقظ ليلاً على صوت أحد يحاول فتح باب الشقة. لا يصدقها والدها، لكن زوجته في ليلة أُخرى تسمع الشيء نفسه. ثم ها هو الزوج يستل مسدسه ويطلق النار على من يقف أمام الباب من الخارج من دون أن يراه. الشرطة تأتي وتحقق. لا تجد دلائل من أي نوع، لكن صوت مفتاح يدخل ثقب الباب لفتحه رمز واضح. هذه العائلة تعيش في بيت محتل، وصاحبه الفلسطيني (لن نراه)، يحاول فتح الباب بمفتاحه. لكن وضوح الرمز لا يأتي مجاناً، ولا وحيداً، فعتمة البيت مقصودة لتشي بعتمة البيئة ذاتها.

هل يكون الفيلم القصير طريقاً للفيلم الطويل؟.. استعراض لأفلام عربية قصيرة

«ترانزيت».. بكاء المآسي

«ترانزيت» لباقر الربيعي من العراق، يأخذنا إلى موضوع آخر. انفجارات الحرب الدائرة أيام الغزو الأمريكي مسموعة. الشخص الماثل في الفيلم هو موظف في دائرة تسجيل أسماء الموتى. نراه منكبّاً في ليلة ظلماء لتدوين الأسماء. الهاتف يرنّ بفترات قصيرة. المكالمة الأولى من أب يبحث عن ابنه. اسمه غير موجود في السجل. أب آخر يتصل مراراً للغاية نفسها. مكالمته تأتي بعد مكالمة فتاة في الثامنة تبحث عن أبيها. حال الموظف النفسية تعسة. يبكي خلال حديثه للفتاة، ولا يحتمل اتصال الأب الثاني فيحيطه علماً بأن اسم ابنه موجود في القائمة.
الحدث مبني في داخل مكان ضيق، وشخص واحد. مشكلة الفيلم الوحيدة هي أن هذا الموظف يتأثر خلال تلك الليلة، ويبكي كما لو كانت هذه ليلته الأولى في هذه الوظيفة. هذا يتطلّب بعض الشرح الذي لا وقت للفيلم توفيره.

هل يكون الفيلم القصير طريقاً للفيلم الطويل؟.. استعراض لأفلام عربية قصيرة

«الأجسام أقرب مما تبدو عليه».. الإقناع مفقود

يختلف الوضع تماماً في فيلم «الأجسام أقرب مما تبدو عليه»، لأحمد صبحي (مصر). الحكاية عائلية بحتة، حول شاب يترك صديقته في الشارع ليزور شقيقته، ويَستدين منها بعض المال. يكتشف خلافاً بينها وبين زوجها الذي يريدها أن تأخذ الأولاد وتترك البيت.

الكاميرا هناك محمولة، وفي حركة دائمة. تبدأ بملاحقة الشاب وصديقته، ثم هي بانورامية في انتقالها من شخص لآخر داخل البيت. أسلوب يذكّر ببعض الأفلام الرومانية التي خرجت في مطلع العقد السابق. الدراية متوفرة لكن ما ينقصها هو الإقناع بأنها ضرورية.

«ملح البحر».. بقاء أم هجرة

من لبنان، ولو بتمويل تشيكي، نجد «ملح البحر» الذي يختلف عن كل ما سبق من حيث أن اهتماماته ليست اجتماعية بالضرورة، بل عاطفية. المخرجة ليلى بسمة تصوّر رغبة فتاة بلقاء مع شاب ويتم لها ذلك بعد حين. هناك لمحة غير كافية عن حياتها العائلية. لا يخلو الأمر من نقاش بين شابين تلتقي بهما عند الشاطئ، أحدهما يعارض هجرتها إلى كندا والآخر يخبرها أن لا شيء في لبنان يستحق الانتظار وعليه من الأفضل أن تستغل الفرصة وتهاجر.

أمام هؤلاء المخرجين، وسواهم عديدون، طريق طويل قد يطرقونه بأمل الوصول إلى إنجاز الفيلم الطويل، أو يتوقفون عن المحاولة كما حال عديدين شاهدنا لهم أفلاماً واعدة لكنهم اختفوا بعدها.