هذا فيلم تشويقي أخّاذ يتناول حياة زوجة بدأت بالبحث عن زوجها بعد ثلاثة أيام من غيابه على البيت. تطرق الأبواب جميعاً لعلها تجد له أثراً وذلك في الوقت ذاته الذي عليها أن كنه علاقتها برجل آخر تحبه.
«تحوّلات رجل ميّت» ، فيلم من إخراج أليهاندرو غربر بيكاشي، المكسكيك 2024، دراما بالأبيض والأسود، حول إمرأة وقضية. المرأة هي داليا (أدريانا باز) والقضية هي إختفاء زوجها فجأة من دون أثر. هي تعمل سائقة عربات المترو تحت الأرض في ساعات الليل المتأخرة. نتعرّف عليها في حجرة القيادة الصغيرة وعينيها مثبتتان على النفق أمامها. تتوقف عند محطة. تفتح الباب. ترقب. تضغط على زر إشارة التحذير، ثم تغلق الأبواب وتمضي.
حين تصل إلى المحطة الأخيرة لها تخرج من حجرة القيادة وتمشي في نفق تحت الأرض وحيدة. الساعة متأخرة ولدى المخرج رغبة مناسبة في توظيف اللحظة لتصويرها تمشي في شوارع الليل وهي تنظر حولها. الليل يحمل خوفاً وعندما تكون في مدينة مثل مكسيكو سيتي وعليك أن تمشي مسافة طويلة وحيداً في عتمة الليل فإن هذا الخوف يوجّهك لإسراع الخطوات والإلتفات كل قليل للتأكيد من أن أحداً لا يلاحقك.
في أكتوبر سنة 2023 أصدرت الأمم المتحدة ما يؤكّد أن عدد الأشخاص الذين اختفوا في العام السابق (2022) قارب المئة ألف شخص للمرّة الأولى في تاريخ المكسيك.
فيلم أليهاندرو غربر بيكاشي يتحدّث عن حالة واحدة (وإن كان يتطرّق في بعض حواراته إلى عدد هائل من المختفين بلا أثر) هذه الحالة هي التي تؤلّف موضوع هذا الفيلم، فداليا تبحث، والفيلم ما زال في مطلعه، عن زوجها المختفي. حال وصولها إلى البيت، حيث ولديها (شاب صغير وشقيقته) ووالدتها، يعلن الفيلم عن أن مشكلتها ليست فقط في الخوف من المدينة ليلاً، بل في مسألة اختفاء زوجها منذ ثلاثة أيام من دون أثر.
لا يتحدّث المخرج في الفيلم، أو من خلال تصريحاته القليلة التي أدلى بها، عن حالة مستخلصة من حادثة واقعية. مع وجود مئة ألف حالة مشابهة لا يمكن لحالة واقعية واحدة أن تفي بالتعميم الذي يوفّره نص متحرر من الإنتماء لحدث واحد.
داليا في كل مشهد من الفيلم تقريباً. إمرأة في مطلع الأربعينات من العمر. قوية البنية. معتدلة الجمال وصادقة في إندفاعها للبحث عن فقيدها. لكنها ليست، في ذات الوقت، ملاكاً. هي تحب زميلاً لها في العمل (نوا هرنانديز) وكانت تخون زوجها معه. بعد اكتشاف إختفاء زوجها ما زالت تعول على عشيقها لمساعدتها عاطفياً. يستكشف الفيلم المزيد من الأوضاع العائلية. هذه الملامح ستعترض أحداث الفيلم من حين لآخر موفرة البيئة العائلية التي وجدت نفسها فجأة مكشوفة بلا غطاء كان الأب والزوج يوفره.
ما هو جميل في هذا الفيلم، لجانب تصويره بالأبيض والأسود (قام به هاتووِي فيڤروس الذي يعرف كيف يخلق الجو المناسب لكل لقطة ولا يتكلّف في حركة الكاميرا لتبرز دون سواها)، حقيقة أنه يكشف عن عالم غير مترابط. الحبكة ليست معنية فقط بإمرأة تبحث عن زوجها المختفي، بل- وعلى القدر ذاته من الإهتمام- بحال مجتمع تركبه مصالح وإدارات لا تكترت.
عندما تتقدّم داليا لإدارتها بطلب منحها الوقت اللازم للبحث عن زوجها يرفض المدير ذلك على أساس إن الطلب لا يندرج تحت بند القانون الداخلي: “لا علاقة لنا بمشاكلك الخاصّة”، هذا ما يؤدي، لاحقاً، إلى استقالتها لكن من قبل أن يكشف أن تعنّت الإدارة قد يعود إلى أنها صوّتت في الإنتخابات لصالح مرشّح آخر.
يضع المخرج الأحداث في أحد العامين اللذين شهدا انتشار وباء "كورونا". معظم المشاهد الخارجية هي لها ولسواها (ركاب قطار، مشاة عاديون، موظّفون الخ...) يرتدون القناع الذي قيل إنه ضروري لمنع إنتشار الوباء. لكن الأمر أكثر مما تعنيه الحالة. اللقطات العامّة والأمامية لجموع الناس ترمز إلى حالة من الصمت كما لو أن لكل شخص نراه خارجاً من القطار أو سائراً على أرصفة الشوارع قد فقد علاقة ما بدنياه. هناك كتمان وهناك خوف وليس هناك من سعادة.
في أحد المشاهد تدخل داليا غرفة المراقبة الأمنية. مئات الشاشات تلتقط كل ما يدور خارج المكان. عين كاشفة. رقابة لا نحس بها ونحن نمشي في الطرق معتقدين إننا خليط من البشر حولنا. في النهاية، يكشف الفيلم عن سر آخر. لقد التقطت كاميرا المحطّة الزوج من ظهره يمشي وحيداً من مطلع نفق إلى آخره. يقول لها الشرطي: “بعد ذلك لا أثر له. لقد اختفى حال استدار عند نهاية النفق”.
حياة داليا كانت بدورها مثل السير في نفق. عند نهاية الفيلم ستستدير لتواجه نهاية البحث من دون نتيجة ولتكملة حياتها من دون حل.