15 مايو 2024

"ليا سيدو" بطلة فيلم افتتاح مهرجان "كان" 2024.. من الانتشار إلى الاختيار

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

إذ انطلق مهرجان «كان» في دورة جديدة، يجد المشاركون فيه أنفسهم أمام احتمالات الفوز والخسارة. الممثلون، والمخرجون، والكتّاب، والمنتجون، وسواهم، سيضعون تجاربهم تحت مجهر لجنة التحكيم. لكن ليس بالنسبة إلى فيلم الافتتاح، وبطلته ليا سيدو، إذ تم عرضه في الرابع عشر من هذا الشهر خارج المسابقة.

فيلم الافتتاح للدورة السابعة والسبعين من مهرجان «كان» الدولي، هو «الفصل الثاني» للمخرج كونتِن دوبيِو، ويدور حول امرأة إسمها فلورنس، تحب ديفيد بشدّة، وتعزم تقديمه لوالديها، والزواج منه. لكن ديفيد ليس مستعجلاً، ولا حتى منجذباً إلى فلورنس، كما تعتقد، ويريد التخلص منها بتعريفها إلى صديقه ويلي. هذه هي الحبكة من دون ذكر المفارقات، والأحداث الداخلية التي تعيش تحت سقف تلك الحبكة، من دون بلورة فنية مميّزة، بل بقدرة مقبولة كسرد.


المخرج كونتِن دوبيِو

بعض القيمة في التفاصيل، وفي الكيفية التي يدير بها المخرج هذا الفيلم الأول له ككوميديا. دوبيو معروف في فرنسا كأحد المخرجين الأكثر نشاطاً هذه الأيام، وسلسلة أفلامه تشمل العديد من النجاحات داخل فرنسا. والمهرجان عرض له سابقاً «السجائر تسبب السعال» خارج المسابقة سنة 2022، وقبل ذلك بـ 12 سنة عرض له المهرجان أحد أفلامه الأولى (وعنوانه «مطاط» Rubber) في قسم «أسبوع النقاد».


الممثلة ليا سيدو مع الممثل لوي غارل

بطلة الفيلم، ليا سيدو، تشارك فنسنت ليندو، ولوي غارل، ورافييل جونار، البطولة، وهي بدورها جديدة على الكوميديا، إذ لم تظهر في فيلم من هذا النوع من قبل على كثرة ما قامت بتمثيله خلال عقدين: 53 فيلماً منذ دورها الأول في «غيرلفرندز» سنة 2006.

وحتى عام 2013، عندما ظهرت في فيلم عبداللطيف كشيش «اللون الأزرق هو الأكثر دفئاً»، كانت تُختار. الآن هي التي تختار، كما كتبت الصحفية الفرنسية، إلسي كارلِن، مؤخراً.

يمكن أن نضيف هنا أن فيلم كشيش، الذي وضعها في مشاهد إيروتيكية، وترك الكاميرا «تبصبص» عليها مع زميلتها أديل أكزاكوبولوس، اختارها بعدما شاهدها في فيلمين، هما «أخوات» (Sisters)، و«غراند سنترال» (2012 و2013 على التوالي). ما صنعه هذا الفيلم (الذي اعتبره هذا الناقد أحد أسوأ ما عرضه مهرجان «كان» في عام إنتاجه) هو إطلاق نجوميّتها على نحو واسع.


فريق عمل فيلم افتتاح المهرجان «الفصل الثاني»

ما يُسجل لها أنها تسعى منذ ذلك الحين لاختيار المخرجين. المخرج هو باب الدخول إلى أي فيلم تختاره. تريده معروفاً، ومميّزاً، وناجحاً، والنماذج التي تجمع هذه الصفات عدة. في الواقع، سألت سيدو المخرج أرنو دسبليشن عندما كانت تمثل تحت إدارته فيلمه «خداع» سنة 2020 عمّن يعتقده أفضل مخرجي الفترة الحالية من سينمائيي فرنسا.. قال لها: «كثيرون». أصرّت قائلة: «إعطني أسماء بعضهم»، لكنه تحاشى الإجابة، وكرر كلمته «كثيرون».

أن يكون شاغلها هو الاستمرار في العمل، وقد بلغت 37 سنة، تبعاً لاختياراتها من المخرجين وليس تبعاً لعروض مختلفة تطلبها للعمل، يعني أنها صادقة في رغبتها تمييز عملها، ومنحه فرديّته.

لجانب كشيش مثلت تحت إدارة بنوا جاكو، وميا هانسن لف، وليوس كاراكس، وبرتران بونيللو.

هذه الأسماء ليست معروفة على نطاق ما حول العالم، لذلك بقدر ما كانت حريصة على العمل مع هؤلاء بقدر ما حرصوا على العمل معها دعماً لأفلامهم.

مهرجان «كان».. سيّد المهرجانات

بوجود 23 فيلماً متسابقاً، وأضعاف ذلك في كل العروض والتظاهرات الموازية، يبدو هذا المهرجان كما لو أنه أراد حشد كل ما يستطيع احتواءه من أعمال «تصلح له»، حسب وصف مديره.

هناك كل شيء يمكن لمهرجان أن يحتويه.. أفلام مسابقة بينها أعمال لكبار المخرجين (هل هناك حالياً من هو أكبر من فرنسيس فورد كوبولا؟)، وأخرى من نوع الاكتشافات. هناك مسابقة «نظرة ما»، وتظاهرة «أسبوع النقاد»، وتمّت إضافة مسابقة ثالثة لأصحاب الأفلام غير القابلة للتصنيف، ولتلك التجريبية. عدا قسم «نصف شهر المخرجين» الذي هو جزء منفصل عن البرنام الرسمي، لكنه من بين أفضل أقسامه.

هناك عروض على الشاطئ، وعروض في منتصف الليل، وعروض لأفلام كلاسيكية قديمة. ثم هناك السوق الكبرى التي يجني منها المهرجان إيراداً كبيراً لكون المؤسسات والشركات تستأجر مساحاته لإقامة مراكزها التجارية والإعلامية.

«كان» يقول تبعاً لذلك: أنا سيّد المهرجانات، وليس هناك من منافس.

الحقيقة أن المسألة فيها نظر. «كان» هو الأكبر، لكن «فينيسيا» هو المتحرر من الانصياع لشركات الإنتاج والتوزيع وصالات السينما، وبذا تنفذ عروضه من الوصايا والهوية الواحدة.