2 يوليو 2024

إنعام كجه جي تكتب: كل هذه الانتخابات

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: كل هذه الانتخابات

حين تستمع إلى نشرات الأخبار تكتشف أن هناك هبّة انتخابية في العديد من الدول الكبرى، تذهب حكومات وتأتي حكومات، والعالم في نزاعات لا تتوقف، ينزل رئيس ويصعد رئيس والحرب قائمة، أزيح جريدة الصباح من أمامي وأطفئ التلفزيون وأفكر بهدوء: ما قيمة الديمقراطية إذا لم تنشر السلام بين الشعوب؟

نشأت في بلد لا ينتخب، إذا انتخب فمن باب ذرّ الرماد في العيون، ثم انتقلت إلى بلد ينتخب مجلساً نيابياً ورئيساً كل خمس سنوات، فرحت لأنني صرت من مواطني صناديق الاقتراع الحر، سيكون لصوتي دور في رسم سياسة البلد. يا فرحة ما دامت، دخل بلدي الثاني في حرب طاحنة ضد بلدي الأول، تحوّل صوتي إلى نحيب.

لم تنكسر عيني، نهار الأحد من هذا الأسبوع استيقظت مبكرة؛ لكي أذهب وأنتخب من أراه صالحاً؛ لكي يكون نائباً عن المنطقة التي أقيم فيها، حملت معي بطاقة الناخب وهويتي الشخصية، ومشيت بخطى ثابتة نحو المركز الانتخابي في المدرسة القريبة، أعطوني مغلفاً صغيراً أزرق اللون يتسع لصوتي البسيط، تناولت اسماً من بين عشرات الأسماء المصفوفة على المائدة ودخلت إلى واحدة من الكبائن المحجوبة بستار، لا أحد يتجسس عليّ. طويت الورقة ودسستها في المغلف ثم أزحت الستار وخرجت لأضع مغلفي في الصندوق الكبير الشفاف، حال انزلاقه في الصندوق صاح الرجل المكلف بالتنظيم: «إنتَخَبَتْ»!

خرجت إلى الباحة الأمامية ولم أعد إلى بيتي مباشرة. جلست على مصطبة أتأمل الداخلين والخارجين، لاحظت أن أغلبهم من كبار السن، جاء كثيرون على عكاز، كان هناك من جاء على كرسي بعجلات، ولفتت انتباهي ثلاث راهبات لم يشأن تفويت حقهن في الإدلاء بأصواتهن، هل تنشغل الراهبات بالسياسة؟

في الثامنة مساء تسمرت أمام شاشة التلفزيون؛ لأتابع نتائج الدورة الأولى، لم تفز القائمة التي منحتها صوتي، ها هو اليمين الفرنسي المتطرف ينال النسبة الأعلى، يا ساتر يا ربّ، إنهم يهددون بمنع استقبال المهاجرين وبحرمان ذوي الأصول الأجنبية من العلاج المجاني ومن بلوغ الوظائف الحساسة، حتى ولو كانوا مولودين في فرنسا ويحملون جنسيتها، وعود انتخابيّة بائسة في حال تحققت.

تخيلوا أن النظام الصحي الفرنسي سينهار بالكامل في حال انسحاب مئات الآلاف من الأطباء من ذوي الأصول السورية والجزائرية والتونسية واللبنانية، ليس كل المهاجرين أطباء. هناك الملايين من عمال البناء والخدمات والنظافة، لولاهم لتحول البلد إلى مزبلة.

لن أفقد الأمل، سأمد صوتي الضعيف حتى منتهاه، هناك دورة ثانية تنتظرني نهار الأحد التالي.

 

مقالات ذات صلة