10 يوليو 2024

تحليل نقدي لرائعة يوسف شاهين.. فيلم "باب الحديد"

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

تحليل نقدي لرائعة يوسف شاهين.. فيلم

في «باب الحديد» المنجز قبل أكثر من ستين سنة (1958)، لعب المخرج يوسف شاهين دور بائع الصحف الأعرج والنحيل، الذي يقطر فقراً، والذي ينظر إلى أنثوية هند رستم، وفحولة فريد شوقي، بغيرة مزدوجة، تدفعه إلى نهاية بائسة.

تحليل نقدي لرائعة يوسف شاهين.. فيلم

العرج ليس مجرد عاهة استخدمها شاهين بتلقائية قابلة للتصديق فقط، وهو بالتأكيد ليس تعبيراً عن رغبته في كسب عاطفة مشاهديه، بل جانب نفسي عميق يعبّــر عنه المخرج بخلجات صارمة، وبعينين حائرتين، ونفَس لاهث، ونظرة تائهة بين الرجل الآخر ذي المواصفات الكاملة بدنياً، على الأقل، وبين المرأة التي يحلم بها.

تلك المرأة الجذابة هنومة، التي تبيع المشروبات الغازية والتي- مثله- تحب الحمّال، أبو سريع (فريد شوقي).

في هذا التخاطب الخاص بين شخصية قناوي، وبين شخصيتي هنومة، وأبو سريع، أكثر من لغة تحتية تعبر عن شاهين الذي كان سابقاً قدّم شخصيات رجالية ضعيفة، ولو أنها في البطولة، ضد شخصيات قوية تتمنى لو كانت مثلها.

هذا متوفر، تلميحاً، في «ابن النيل» (شكري سرحان مقابل يحيى شاهين، 1951) وأساساً، في «صراع في الوادي» (عمر الشريف مقابل فريد شوقي، 1954) ثم في «باب الحديد»، وبعده، كمثال، في «عودة الابن الضال» (1976).

تحليل نقدي لرائعة يوسف شاهين.. فيلم

«باب الحديد» كان في الوقت ذاته، وإلى جانب مضامينه الجنسية المزدوجة، تأليفاً ذكياً من الكاتب الراحل عبدالحي أديب، ولا علم لنا (في ظل النحو البائس الذي تعانيه السينما العربية حيال كل ما له علاقة بتاريخها) إذا ما كان عرج قناوي من تأليف الكاتب، أو من إضافة المخرج.

ما هو مؤكد أن استخدامه كان رمزياً قُصد به ما سبق، في الوقت الذي كانت فيه شخصية أبو سريع رمزاً لأمل حط مع ثورة 1952.

تحليل نقدي لرائعة يوسف شاهين.. فيلم

لجانب الممثلين الثلاثة، وزّع شاهين أدواراً جيدة على ممثلين فاعلين في صياغة العالم الذي أراده: حسن البارودي، وعبدالعزيز خليل، وأحمد أباظة، وحسين إسماعيل. شاهين كان دائماً المخرج الذي لا يفوّت فرصة تقديم ممثل على نحو جيد، ومعبّر، مهما صغر دوره.

الفيلم بالأبيض والأسود، والتصوير لمسعود عيسى الذي كان صوّر ليوسف شاهين فيلم «المهرج الكبير» عندما كان المخرج المعروف ما زال في أولى سنوات عمله سنة 1952.