8 أغسطس 2024

د. هدى محيو تكتب: هل الاحتفال بالخطأ فضيلة؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: هل الاحتفال بالخطأ فضيلة؟

«لا نتعلَّم حقاً إلا من أخطائنا»، حكمة تتناقلها ألسنة الشعوب، لكن بعض اختصاصيي التربية والنمو الشخصي ارتأوا مؤخراً أن يضيفوا إليها تطويراً غريباً بعض الشيء وهو الاحتفال بمزايا الوقوع في الخطأ، حتى تهنئة الأطفال الذين يقعون في الخطأ في المدرسة، والموظفين الذين يرتكبون أخطاءً في العمل بدل تأنيبهم.

لكن على الرغم من سياسة التسامح مع الخطأ هذه، الكل يعلم أنه من المفضّل عدم الخطأ، وأن القيام بالخطوة الصحيحة أفضل من التعثر بالخطوة الخاطئة، لنأخذ مثال المدرسة، حتى لو كان المدرِّس «يحتفي» بالأخطاء التي يرتكبها التلاميذ كأحد مصادر التعلُّم..

إلا أن الهدف من التعرُّف على الأخطاء هو عدم ارتكابها في المستقبل، وبالأخص خلال الامتحانات، فالخطأ الجيد هو الخطأ الذي لن نقع فيه بعد اليوم.

أما في الوسط المهني، فهذه أيضاً من البديهيات، مَن منَّا سيقبل بطبيب جراح يعتمد سياسة التعلُّم من أخطائه المتعددة، ومن منّا سيقبل الصعود إلى طائرة يقودها ربّان يتعلّم من أخطائه عند الإقلاع من أجل أن يصير طيَّاراً جيداً؟

من وجهة النظر النفسية البحتة، يشكل الاحتفال بالأخطاء عملاً منافياً للعقل، حيث إن «قانون الأثر» الذي حكى عنه إدوارد ثورندايك، منذ أكثر من قرن ينصّ بوضوح على أن السلوك الذي ينتج أثراً إيجابيّاً أو ممتعاً ترتفع أرجحية تكراره، ما يعني أن الاحتفال بالأخطاء يؤدي إلى التشجيع عليها، هذا من دون الحديث عن حدوتة «أثر الكوبرا»..

إذ يُحكى أن حاكم بومباي أعلن أنّه سيدفع ثمن جلود الكوبرا التي يصطادها السكان من أجل تشجيعهم على القضاء على هذا الثعبان الذي كان يغزو المدينة، فما كان من البعض إلا أن بدأوا بتربية أفاعي كوبرا تكسّباً للمال، فإذا ما راج الاحتفاء بالأخطاء ما الذي يمنع بعضهم من ارتكابها عن قصد حتى يحظوا بلحظات مجد؟

في المقابل، إن التأنيب على الخطأ يؤدي بصاحبه إلى الإحساس بالعار وقلّة الثقة بالنفس، ما يدفعه إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء وليس إلى التعلُّم من خطئه، فما العمل إذاً؟

بين الاحتفال بالخطأ والتأنيب المذِلّ عليه، ثمّة حلّ وسط، يكون مبنيّاً على مناخ من الثقة المتبادلة والتواضع والاحترام، هذا المناخ يمكِّن الأهل من التحدّث مع أولادهم عن أخطائهم والذي يمكّن الأولاد من التعلّم منها..

هذا المناخ الذي يسمح للأستاذ في الفصل أن يتطرق إلى أخطاء التلاميذ، دون أن يسمّيهم بالضرورة، لو فعل لن يكون هذا من باب الحط من شأنهم، بل من باب أن يتعلّم باقي التلاميذ من خطأ زميلهم، لكن بكل محبّة.. وبكل مودّة.

 

مقالات ذات صلة