01 سبتمبر 2024

فيلم "حياة الماعز".. عندما تحاول السينما استغفال المشاهد

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

فيلم

«حياة الماعز» فيلم يدّعي أنه ينتقد نظام الكفالة في إحدى الدول العربية، لكن هذا شيء والطريقة المعادية والعنصرية التي يستخدمها لذلك شيء آخر، كيف؟

حديث المنصّات في مجال السينما هذه الأيام الفيلم الهندي- الأمريكي «حياة الماعز».

هناك من انتقد الفيلم وآخرون أعجبوا به، بعض المعجبين أشادوا بالتمثيل وبالتصوير وبحقيقة أنه يتعرض لواقع معين، وبعض المنتقدين وصفوا بعض المعجبين بأنهم غفلوا عن الحقيقة، لكن القلّة القليلة هي التي تحدّثت عن الفيلم كعمل سينمائي بعيداً عن التسييس وكما يجب أن يكون عليه الواقع النقدي دائماً.

فيلم

مشاهد بؤس لأغراض أخرى

الصحراء شاسعة والشمس حارّة وبطل الفيلم نجيب (بريثڤيراج سوكوماران) في معظم الفيلم بين الحياة والموت، ها هو يرى ورقة صفراء تطير في الهواء، يتوق للقبض عليها وهو ينتقل ببصره وراءها، تطير وتحط على نبتة عارية، ينهره الكفيل الذي كان قد خطفه ثم يأمره بالعودة بالجمال إلى الأكواخ قبل غياب الشمس..

يهرع نجيب إلى الورقة، تكاد تطير مجدداً لكنه يقبض عليها، هي من كتابة أخيه حكيم (ك.آر. غكل) فكرة جميلة الترتيب لكنها مئة بالمئة غير واقعية، بعض ما فيها من عجب (ورقة تسافر مسافات بعيدة من شقيقه تطير ثم تقع بين يديه) ينطلي على الفيلم كله..

هذا فيلم ساذج حقق له المخرج درجة عالية من مهارة كافية لأن تجذب كل من يهوى مشاهدة متاعب مكدّسة وبؤس مستديم ونحيب وعذاب، بعض هؤلاء لديهم مواقف سياسية مع البلد الذي تقع فيه الأحداث لذلك هو فيلم جيد بالنسبة إليهم.

هي السعودية، لا يقولها الفيلم علناً لكن هناك سيارة رولز رويس يقودها سعودي يشفق عليه (بعد نحو ساعتين ونصف من الأحداث) والسيارة عليها لوحة أرقام سعودية..

هو الزمن غير البعيد، مطار حديث يصل إليه الشقيقان نجيب وحكيم اللذان لا يجيدان أي لغة سوى المالايالمية ويتوجهان إلى موظف الفيزا، لننسى أن الكمبيوتر على مكتبه وفوق كل المكاتب الأخرى مطفأ وأنه لا يطلب مترجماً ليسألهما بعض الأسئلة، لكن لا نستطيع أن ننسى أن الفيلم يصوره بصلفٍ وكرهٍ لهذا الجنس من البشر..

يخرجان من المطار يقترب منهما سعودي آخر يسألهما عمن هما ويكيل لهما الشتائم. هو جاء باحثاً عن عمال مهاجرين مثلهما وحين لا يجدهما يأخذ جوازيهما ويزج بهما في شاحنته الصغيرة ويأخذهما إلى مزرعة الماشية والجمال ويفرّق بينهما، بعد ذلك يمارس ضدهما المزيد من الضرب والإهانات والتجويع والمعاملة غير الإنسانية.

نية الأذى

لو كان الفيلم ذكياً لقدّم شخصية السعودي بالصورة ذاتها، طالما تنص الحكاية على ذلك، إنما ببعض السبب، ربما ببعض الصراع الداخلي الذي لا يستطيع الخير فيه أن ينتصر، لكن ما هو مرتسم فيه وفي سواه هو تنميط جاهز، لقدّم مثلاً سعوديا آخر يناوئه لكنه أضعف من أن يقف في وجهه.

لكن النية هي الأذى بدءاً من الحوار الذي يقول فيه حكيم لنجيب في المطار “ألم تمزح من قبل؟، قلت إن العطر مصنوع من عرق وبول العرب؟”، لو لم تكن النية الأذى لما ردّ عليه نجيب “العرب الحقيقيون هكذا”.

هناك «فلاش باك» للحياة العاطفية التي تمتع بها نجيب مع زوجته وسط الماء والخضرة والوجه الحسن، وهناك أغنية على الطريقة المعتادة في معظم الأفلام الهندية، هناك ماشية ترعى في الصحراء من دون وجود نبتة واحدة بل كثبان من الرمل.

رجل طيب.. فيلم ساذج

كتب أحدهم إن الماعز تأكل أي شيء.. وآخر قال: إنه يجري إطعامها في المزرعة قبل توجيهها إلى الصحراء، هل مشوار الصحراء «شم هوا»؟ هل هو للتمتع بفيتامين D؟، لا هو فقط للاستفادة من المنظر الطبيعي وتوظيفه في معاناة بطل الفيلم، التصوير جيد، الدراما ساذجة.

هناك كتل من التصرّفات مكدّسة لتخدم غرض الفيلم: الهندي المسكين، العربي الجائر، الرحلة التي يجتازها نجيب، بعد أن فقد أخاه ثم الأفريقي الحنون إبراهيم، وهي مملوءة بالمزيد من التعاطفية التي تفرض نفسها على المُشاهد، ذلك المستقل لا يفوته أن الموسيقى (كتبها اللا راكه رحمان) لا تتوقف عن عزف الحزن بأنواعه لتواكب الوضع القائم.

السبب وراء كل ذلك هو إنجاز فيلم عن مأساة رجل طيب وقع بين يدي أشرار وكيف أنه سعى للهرب وكاد أن يموت تسع مرّات لكنه لم يفعل، النهاية لا تكترث لتقول ما هو مصيره النهائي، ها هو بين مجموعة كبيرة من البائسين الآخرين في مركز أمني يمر الكفيل المزعوم من أمامه باحثاً عنه لاسترداده، لكنه لا يستطيع استرداده لأنه ليس الكفيل الحقيقي.

حتى ولو أخذنا في عين الاعتبار أن الفيلم يذكر في البداية إنه مأخوذ عن «أحداث حقيقية» إلا أن ذلك لا يعني أن هذا كله هو ما وقع بالفعل، هناك أفلام عديدة تذكر إنها مقتبسة من أحداث حقيقية، لكنها تبقى ملاصقة لما يمكن أن يكون قد وقع وتصدّقها، هذا الفيلم وبسبب موقفه العنصري ومشاهده المبالغ في وصفها، ليس من بينها.

دافع المخرج عن فيلمه بالقول: إنه ليس فيلماً عنصرياً ضد العرب والمسلمين واستشهد بمشهد من نحو 5 دقائق لرجل استثناه من بين الجميع نراه ينقل نجيب بسيارته وإيصاله إلى المدينة، هكذا اعتقد أنه وازن بين ساعتين ونصف من الإساءة وخمس دقائق تظهر سماحة رجل واحد.