05 سبتمبر 2024

أنجلينا جولي تتألق في أحدها.. 3 أفلام مميزة من مهرجان ڤينيسيا السينمائي 2024

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

أنجلينا جولي تتألق في أحدها.. 3 أفلام مميزة من مهرجان ڤينيسيا السينمائي 2024

ثلاثة أفلام مهمّة وجيدة عرضها مهرجان ڤينيسيا المقام ما بين السابع والعشرين من الشهر الماضي والثامن من هذا الشهر واحد عن ماريا كالاس، والثاني عن جوكي مهدد بالموت، والثالث عن جون لينون وزوجته اليابانية يوكو.. كما ستنتقل هذه الأفلام إلى مهرجان تورنتو هذا الأسبوع.

أنجلينا جولي تتألق في أحدها.. 3 أفلام مميزة من مهرجان ڤينيسيا السينمائي 2024

ماريا | Maria

«ماريا»، للمخرج التشيلي بابلو لوران، يشبه وشاحاً صُمم ليمنح الممثلة التي تقوم بدور المغنية اليونانية كالاس كل التألق الذي تستحقه، فوز أنجلينا جولي بالدور يعكس بالنسبة إليها حجر زاوية في مهنتها الناجحة عموماً والمضطربة في بعض الأحيان.

حسب الفيلم فإن واحداً من علامات تلك الفترة (منتصف السبعينيات) هو أحساسها بأنها تريد الوثوق من أنها ما زالت ملكة الأوبرا بين المغنيات وأن هناك جمهوراً واسعاً وكبيراً يتابعها وفنها، شيء لا يختلف إلا بدرجات عن صورة غلوريا سوانسون عندما قامت ببطولة فيلم بيلي وايلدز «سنست بوليڤارد» سنة 1950.

أنجلينا جولي تتألق في أحدها.. 3 أفلام مميزة من مهرجان ڤينيسيا السينمائي 2024

في أي من الحالتين لا يمكن لوم الممثلة جولي إذا ما بدا أن تمثيلها سطا على الفيلم وأنها استغلت الفرصة لكي تنجز أحد أصعب الأدوار في حياتها المهنية، لكن الفيلم بالفعل يصبح معبراً عن أدائها الدور وليس عن الدور الذي كان عليها أن تستغل الفرصة لتقدم أداء درامياً يوازي أداء كالاس الغنائي.

المفارقة الصعبة والمهمّة (والمفيدة للممثلة) هي أن انتقاء الأسبوع الأخير من حياة ماريا كالاس ليكون موضوع الفيلم يمنح الممثلة اختباراً أدائياً لم تعهده من قبل، ذلك لأن هذا الأسبوع كان الأسوأ في حياة كالاس..

فقد باتت مدمنة مخدرات وصوتها يعاني من تأثير ذلك، ولم تعد واثقة من قدراتها رغم أنها كانت راغبة فعلاً في العودة إلى الأضواء.

يخلق كل ذلك فيلماً داكناً حول انهيار حياة وانطفاء شعلة، نرى كالاس تعاني من مشاكلها فتمتنع عن تناول الطعام لأيام (هناك إشارة إلى أن امتناعها بدأ قبل فترة من بداية أحداث الفيلم)، ذاكرتها تستعيد بها أوج لحظاتها لكنها كانت قد بدأت تدرك أن أفضل سنوات مهنتها هي تلك السنوات الغابرة..

في هذا السياق يوزّع المخرج مشاهد فلاش باك تثري المادة بقدر ما تعزز حضور السنوات الأفضل لشخصيته.

في النهاية، ينبري الفيلم كدراما ممهورة بمعالجة فنية جيدة تعلو عن مستوى التعامل مع الشخصية بحب، بكلمات أخرى، هو فيلم مهم مُعالج ببرود عاطفي حيال الموضوع.

أنجلينا جولي تتألق في أحدها.. 3 أفلام مميزة من مهرجان ڤينيسيا السينمائي 2024

اقتل الجوكي | Kill the Jockey

بداية هذا الفيلم، لمخرجه الأرجنتيني لويس أورتيغا، لافتة وواعدة، تقع في حانة نرى فيها امرأة تغني بلا جمهور، إما لأن الحانة لم تفتح أبوابها بعد وإما لأن الحانة لا يرتادها أحد، هناك رجل نائم منزلقاً فوق كرسيه، يدخلان رجلان من ذوي الأشكال التي تستطيع أن تدرك أنهما خاضا حياة عصيبة، أحدهما يضع عصاه في فم النائم لإيقاظه..

إنه الجوكي ريمو (بيريز بسكارت) والرجلان جاءا لكي يأخذانه إلى حيث سيلتقي به رئيس عصابة تراهن على سباقات الجياد، المطلوب منه أن يفوز، لكن في التجربة الأولى ما إن تفتح الأبواب لانطلاق الجياد حتى يقع أرضاً، هو جوكي في ماضيه أما حاضره فمميّز بالشرب والإدمان وفقدانه للياقة المطلوبة.

أنجلينا جولي تتألق في أحدها.. 3 أفلام مميزة من مهرجان ڤينيسيا السينمائي 2024

لا يحيطنا الفيلم علماً بالسبب الذي أدى بريمو إلى هذا الوضع، يبدو واحداً من شخوص الحياة الحاضرة التي فقدت الاهتمام بالأشياء الأهم في الحياة، لكن الفيلم بدوره يفتقد شيئاً آخر: يبدأ بنبرة خيالية لافتة حيث أي شيء وكل شيء قد يقع..

لكن الفيلم يتحوّل بعد ذلك إلى نبرة مختلفة حال يهرب ريمو من المستشفى بعد حادثة خلال سباقه الثاني، هنا تتعرّض الحكاية إلى التواء واضح، تصبح شيئاً من كوميديا مباشرة حول عصابة تبحث عن ريمو للانتقام منه بعدما تسبب في خسارتها مادياً خلال الرهانات.

لا يفقد الفيلم جاذبيّته وإن كان لا ينجز الكثير، عدا ذلك يحتوي على تلك الأفكار المودوعة في التغريب حيث كل مشهد عليه أن يأتي مخالفاً للتوقعات، جديداً في الناحية البصرية وكفكرة..

لكن الحكاية تمشي في درب مختلف بحيث الكثير ما نشاهده على صعيد المضامين وكتعليق اجتماعي من خلال موضوعه يتبعثر بحيث لا يصل الفيلم إلى تحديد ما يرغب منا تقديره من تلك المضامين.

أنجلينا جولي تتألق في أحدها.. 3 أفلام مميزة من مهرجان ڤينيسيا السينمائي 2024

واحد لواحد: جون ويوكو | One to One: John and Yoko

يأتي «واحد لواحد: جون ويوكو»، لكڤن ماكدونالد، ليحيط بحياة الثنائي جون لينون وزوجته يوكو أونو اللذين وقعا في الحب وانتقلا للعيش في حي غرينتش فيلاج في مدينة نيويورك مباشرة بعد انفراط فريق The Beatles الذي كان جون لينون أحد أفراده الأربعة.

النقلة إلى ذلك الحي لم تكن اختياراً بلا مرجعية سياسية، كون غرينتش فيلاج شهدت حينها حياة ثقافية وفنية وسياسية حافلة تعاملت ضد العنصرية وضد حرب ڤيتنام وكانت صوت اليسار الشعبي الأمريكي إلى حين فضيحة ووترغيت التي أودت بمنصب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون..

يكشف فيلم ماكدونالد (الذي سبق وأخرج قبل أعوام قليلة فيلماً عن المغني الجامايكي بوب مارلي) عن اهتمام لينون وزوجته بتلك القضايا السياسية، جون الذي باع منزله المرفّه في ضواحي لندن واستقر في شقة من غرفتين في ذلك الحي، ويوكو التي لعبت دوراً فنياً وتثقيفياً في حياته.

أنجلينا جولي تتألق في أحدها.. 3 أفلام مميزة من مهرجان ڤينيسيا السينمائي 2024

لا يكتفي الفيلم بالحديث عن الثنائي معيشياً وعاطفياً بل عن المحيط السياسي العام، ما يُعيد لمشاهدين من جيل ذلك الحين بعض ما وقع من أحداث ويوجه المشاهدين الذين وُلدوا بعد سنوات صوب تقدير الثنائي كما لم يفعل فيلم ما من قبل..

ليس أن «واحد لواحد: جون ويوكو» فيلم سياسي بل هو استعراض منفّذ مونتاجياً بقدر كبير من الإجادة لحياة ثنائي موسيقي مطروحة على الخلفية المجتمعية المذكورة.