06 أكتوبر 2024

فيلم THE BURIAL.. دراما محاكم وحقائق فظائع تخفيها طبيعة صامتة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

فيلم THE BURIAL.. دراما محاكم وحقائق فظائع تخفيها طبيعة صامتة

اشتغلت السينما كثيراً على الدراميات التي تقع معظم أحداثها، أو الكثير منها على الأقل، في قاعات المحكمة. «الدفن» دراما محاكم من إخراج ماغي بتس (الولايات المتحدة- 2024)، هو آخرها حتى الآن، لكنه يحمل، إلى جانب القضية المعروضة، قيمة أخرى ضمنية يوحي العنوان ببعضها.

فيلم THE BURIAL.. دراما محاكم وحقائق فظائع تخفيها طبيعة صامتة

هناك ذلك المشهد الذي يقوم فيه رجل عجوز بالوقوف مع المحامي، غاري (جايمي فوكس،) وزوجته (أماندا وورن)، أمام أرض خضراء بلا معالم، ويخبرهما أن تحت تلك الأرض توجد رفات ما لا يُحصى من الأفرو-أمريكيين المدفونين تحتها: «لا تجد مقابر عليها»، يقول لهما «هذا لأنه في ذلك الحين كان ممنوعاً على العبيد أن يُدفنوا في قبور عليها أسماؤهم».

إلى جانب أن المشهد يمنح عنوان الفيلم سبب اختياره، هناك تلك القشعريرة التي قد تعتري بعضنا، إذ تبدو المساحة الخضراء بريئة، وصامتة، وطبيعية، بينما تكمن تحتها رفات ضحايا تجارة الرقيق قبل أكثر من 400 سنة.

لكن الفيلم ليس عن الرقيق، ولا هو بالفيلم التاريخي. ما يطرحه المشهد له علاقة بشوائب عنصرية حديثة. غاري هو محامٍ أسود، نتعرّف إليه خطيباً في كنيسة للسود ثم- مباشرة- كأكثر محامي ولاية المسيسيبي نجاحاً، وثراء.

لم يخسر قضية منذ 12 سنة، وتخصص في الدعاوى التي لها علاقة بالإصابات الجسدية الناتجة عن حوادث مختلفة. وذات يوم يستقبل في مكتبه صاحب شركة دفن ميسوراً، لكنه يمرّ بأزمة مالية.

صاحب الشركة، أوكيف (تومي لي جونز في إطلالة نادرة هذه الأيام)، رغب في بيع بعض مواقع مدافنه لملياردير لديه مؤسسة قامت على تجارة الممتلكات. الشاري المتوقع لووِن (رايموند كامب)، يوافق على شروط أوكيف، لكنه يتلكأ في تنفيذ العقد، طمعاً في زيادة حاجة أوكيف المادية، ليشتريها بسعر رخيص.

تصل القضية إلى غاري الذي لم يدافع عن رجل أبيض من قبل، لكنه وجد في أوكيف مواطناً يحاول الوقوف على قدميه، والحفاظ على مؤسسة ورثها أباً عن جد.

فيلم THE BURIAL.. دراما محاكم وحقائق فظائع تخفيها طبيعة صامتة

الفيلم، من مطلعه حتى نهايته، سلسلة مشوّقة من دراما محاكم تتبع تقليداً راسخاً في هذا النوع شهدته السينما الأمريكية بنجاح، من الأربعينات، وما بعد. تعرف المخرجة كيف تُعيد الحياة إلى قاعة المحكمة، حيث يتبادل محامي أوكليف، ومحامية لووِن (جورني سمولت)، الاقتراب ثم الابتعاد عن النجاح، والفشل. كتابتها للسيناريو تشمل حوارات كاشفة، ولقطاتها تترك المُشاهد في حالة تقدير لكل منهما.

لكن قلب الفيلم هو مع أوكيف وغاري اللذين يخشيان فشل الفرد البسيط أمام العملاق المادي، المتمثل في لووِن. من هذا الوضع تنجح المخرجة في تقديم حكاية عن «سيستم» قضاء فعّال، في زمن صعب.

الأحداث وقعت بالفعل، لكن حتى لو لم تكن وقعت، فإن الفيلم يمنحها مصداقية، إلى جانب تمثيل رائع من فوكس، ومعظم المشتركين.