حفلت السينما اللبنانية، والعالمية، بالعديد من الأفلام التي دارت حول الحرب الأهلية في لبنان التي بدأت سنة 1975، وانتهت بعد نحو 15 سنة. فيلم «خط أخضر»، من إخراج سيلفي باليو، وإنتاج لبنان، قطر، فرنسا- 2024، جديد من نوعه، ولو أنه ليس جديداً تماماً في ما يعرضه.
تسعى المخرجة الفرنسية، سيلفي باليو، للبقاء محايدة خلال تناولها الحرب الأهلية في لبنان، تلك التي يرى بعضنا أن آثارها ما زالت تتفاعل في وجوهٍ، وجوانب متعدّدة. تمنح شريكتها في كتابة السيناريو، فدى بزري، مساحة كاملة لعرض التاريخ من دون تأييد طرف ضد آخر.
الآنسة فدى كانت فتاة صغيرة عندما نشبت تلك الحرب، في منتصف السبعينيات. تتذكر ما مرّت به جيداً، والرعب الذي عاشته، هي والآخرون، وحادثة توجيه أحد المحاربين بندقيّته صوبها، وهي دون العاشرة من العمر.
تستعين بدمى وألعاب توزّعها كخريطة كلما تحدّثت مع محارب سابق. هنا مبنى تحتلّه قوّة من اليمين. هنا مبنى تحميه قوّة من الأحزاب اليسارية. هذا هو الشارع الفاصل. تحرّك تلك الدمى كما يحرّك لاعب الشطرنج حجارته، وتتوقع من الشخص الذي تتحدّث إليه مشاركتها هذا التحريك. يوافق هنا، ويصحح هناك، ويعلّق دوماً.
يجمع الفيلم عدداً كبيراً من المحاربين على نحو منفرد، باستثناء مشاهد أخيرة، حيث يجلس حزبي يساري مع حزبي يميني، يسترجعان معاً. أحدهما يريد أن ينسى. الآخر لا يستطيع أن ينسى.
بين تلك المقابلات يعرض الفيلم مشاهد وثائقية من تلك الحرب. الكثير منها في الناحية الغربية من بيروت، حيث «تمترست» قوات أحزاب عدّة، لتتبادل إطلاق النار على خط التماس (أو ما يسمّيه الفيلم بـ«الخط الأخضر») مع محاربي الكتائب والقوّات اللبنانية. شهادات هؤلاء، وسواهم (مقابلتان مع مقاتلة ومقاتل سابقان)، تكشف عن ذلك الخلاف الجذري الكبير بين طرفَي الحرب.
لكن المُشاهد لن يخرج بتحليل سياسي بقدر ما سيتابع مسائل تتعلّق بوجهات النظر حول ما حدث، ولماذا تصرّف كل مقاتل تلتقيه المخرجة على النحو الذي تصرّف عليه.
بعض الأسئلة التي تصرّ عليها فدى بزري، والفيلم من خلالها، ساذجة، وربط النقاط المختلفة بين ذكرياتها ومحاولة فهمها اليوم عمّا دار، وكيف، ولماذا، تبدو بدورها متأخرة، ولحوحة، عوض التوجه صوب أسئلة مختلفة، حين يتطلّب الأمر كذلك، لكن الفيلم يبقى واعياً لدوره ومرتبطاً به. معظم المتحدثين غير نادمين على الاشتراك في تلك الحرب، كلّ لحماية مبادئه ومعقله، لكنهم نادمون على أن الحرب ذاتها وقعت.