هذا الفيلم، High Noon، إخراج: فرد زنمان، وسترن/ الولايات المتحدة (1952)، ما زال يردد صدى تلك الفترة الصعبة في حياة السينما الأمريكية عندما شهدت هوليوود هجوماً كبيراً على صانعي الأفلام اليساريين بتهمة الخيانة والانتماء إلى الشيوعية، ليس أن هذا الفيلم البديع وصانعيه كانوا متهمين خلال المحاكمات المكارثية، لكن غبار التهم طالتهم كما سنرى.
الحكاية كما كتبها جون و. كننغهام تحت عنوان «النجمة الصفيح» (The Tin Star) اختارها المنتج ستانلي كرامر موضوع فيلم «منتصف الظهيرة» وهي تدور حول شريف بلدة عليه أن يواجه أربعة أشقياء في يوم عرسه جاؤوا للانتقام منه..
ما نراه على الشاشة ينتمي إلى هذا التلخيص بالفعل، لكنه ما عاد بحثاً في بطولة رجل القانون حيال أعداء القانون، بل حول وحدته في تلك المواجهة، وفي حين أن وحدة المواجهة، خصوصاً في أفلام الوسترن، كحال هذا الفيلم، دائماً ما كانت إيعازاً بالتضحية والشجاعة وسمات البطولة الفردية الأخرى، فإنها هنا توصم المجتمع المحيط بالتخاذل وتمنح البطل وجوداً إنسانياً أعمق.
غاري كوبر هو «الشريف»، وها هو يستعد مع عروسه آمي (غريس كيلي) لمغادرة البلدة لبعض الوقت لقضاء شهر عسل، قبيل انطلاق العربة وسط تهليل أهل البلدة يصل النبأ بأن المجرم فرانك ميلر (إيان مكدونالد) غادر السجن وهو في طريقه للبلدة مع ثلاثة أعوان له للانتقام من الشريف الذي كان قبض عليه وأودعه السجن قبل سنوات، يشجع أهل البلدة الشريف على سرعة الهرب لكنه يقرر البقاء والمواجهة.
هنا يقع الخصام بينه وبين أهل البلدة وتتفتح صفحات أزمة تلو أخرى، فعروسه تفكر في تركه، وأهل البلدة يمتنعون عن مساعدته ونائبه (لويد بردجز) يغار منه لعلاقته السابقة بصاحبة الحانة هيلين (كاتي جورادو).
هيلين تحب الشريف وهي من تواجه العروس آمي متسائلة «كيف تتركين زوجك في اليوم الذي يحتاجك فيه أكثر من سواه؟»، كل هذا بالتقاطع مع وصول العصابة لقتل الشريف الذي بات وحيداً بعدما أوصد أبناء البلدة الأبواب دونه، والمشهد المعبر عن ذلك هو سيره وحيداً في شارع البلدة أمام كاميرا فلويد كروسبي وهي توالي التراجع عنه إلى أن تكشف عن وحدته تلك في مشهد مهم الدلالات.
الكثير من التقدير (ربما أعلى قليلاً مما يجب) بُني على أساس أن فرد زنمان، وهو مونتير سابق، بنى الأحداث لتمر ضمن الوقت الصحيح لها، فمدة عرض الفيلم هي 85 دقيقة وهي الفترة الزمنية ذاتها التي تقع الأحداث فيها من المشهد الأول للقاء الأشرار في محطة قطار ثم توجههم إلى البلدة وصولاً إلى المعركة التي بالكاد ينتصر الشريف فيها وانتهاءً بالمشهد (الصادم في رمزيته) وهو إلقاؤه النجمة التي كانت تزين صدره كرجل قانون أرضاً وترك البلدة للأبد مع زوجته..
لكن القرار الفني لسرد متواز بين دقائق الفيلم ودقائق الأحداث قام به المنتج ستانلي كرامر والكاتب كارل فورمان، أما زنمان فقام بتنفيذه فقط حسب مذكرات زنمان نفسه.
رُشح «High Noon» للأوسكار كأفضل فيلم لكنه خسر أمام فيلم حول الحياة في سيرك أخرجه سيسيل ب. دميل بعنوان The Greatest Show On Earth. البعض (وبينهم المنتج كرامر في مذكراته) يؤكد أن التصويت كان مسيساً لأن الفيلم يقدم مجتمعاً أنانياً وبطلاً خائفاً، وهو ما لم تكن هوليوود آنذاك ترغب بتبنيه..
إلى ذلك، تم الكشف عن أن كاتب السيناريو كارل فورمان كان عضواً في الحزب الشيوعي الأمريكي، لكن هذا الكشف تم من بعد التصويت على منحه أوسكار أفضل سيناريو عن هذا الفيلم. هذا كله مع العلم بأن الفيلم خالٍ تماماً من أي أجندة آيديولوجية ولو أنه يستدير ناحية يسار خط الوسط بسبب معالجته للحكاية التي كُتبت (وقرأها هذا الناقد عند إعادة نشرها في مجلة American West قبل عشر سنوات) على يمين ذلك الخط.