خلال أيام ستبدأ صالات السينما عرض تحفة جديدة من أعمال المخرج فرنسيس فورد كوبولا تحت عنوان Megalopolis. حين رفضت هوليوود تمويل مغامرته الجديدة، موّل الفيلم (الذي بلغت ميزانيّته نحو 79 مليون دولار) من جيبه الخاص. هذا ما يذكّرنا بتحفة أخرى لهذا المخرج الذي لا يخشى العواقب، التي مولها كذلك من جيبه الخاص، فيلم APOCALYPSE NOW (1979)
موّل المخرج فرانسيس فورد كوبولا الفيلم مما جناه من أفلامه السابقة («العرّاب» الأول والثاني و«المحادثة») وصوّره في الفلبين.
في الخطّـة الأصلية قضاء خمسة أشهر في التصوير، لكن ما لم يكن في الحسبان امتداد فترة التصوير لستة عشر شهراً تعرّض فريق العمل خلالها لأحداث متعددة من بينها نوبة قلبية أصابت بطله مارتن شين وخلاف بين كوبولا ومارلون براندو، كون الثاني وصل إلى التصوير من دون تحضير، غير العواصف التي اجتاحت مكان التصوير وهدمت الديكورات ومتاعب في كل خانة عمل ممكنة وامتناع البنتاغون عن مد المخرج بمساعدات لوجيستية.
لكن كل ذلك لم يمنع كوبولا في النهاية من إتمام فيلم رائع ذي حجم ومعالجة ملحميتان وبرسالة تعادي حرب فيتنام وتنقل فوضاها مجسّمة في كل اتجاه.
عن رواية طالما قيل أنها عصية على التحول لفيلم هي «قلب الظلام» لجوزف كونراد (التي تقع أحداثها في الكونغو أساساً) وسيناريو من رجل المهام الصعبة جون ميليوس قام كوبولا بتقديم حكاية تبتعد عن صلب الرواية باختيارات دقيقة لكي تعكس حالة الفوضى التي صاحبت الحرب الڤيتنامية على كل صعيد.
تتقدم القيادة العسكرية من الكابتن ويلارد (شين) بطلب إنجاز مهمّـة إغتيال للكولونيل كورتز (براندو) الذي اقتطع لنفسه جزءاً من البلاد على الحدود الكمبودية متمرّداً على القيادة. الفريق الذي يقوده ويلارد هو زمرة من غير المؤهلين (سام بوتومز، فردريك فورست، لورنس فيشبورن، ألبرت هول) والجميع ينطلق في قارب سريع (إسمه إيربوس، على إسم إبن آلهة الظلام اليوناني) منتقلاً من حدث لآخر طوال رحلة شاقّـة.
إنه على ذلك الطريق النهري يوفّـر الفيلم مشاهد من جنون الحياة في حاضنة الحرب: القتال، القصف الأميركي، الفييتكونغ، الضحايا، الحفلات الراقصة الخ.... في أحدها يقف قائد عسكري (روبرت دوڤول) أمام وحدته التي تحتمي من قصف الفييتكونغ ليقول، بعد غارة أميركية تم فيها استخدام النابالم «أحب رائحة النابالم في الصباح».
حين الوصول إلى حيث إقتطع الكولونيل كورتز ولايته يقف ويلارد (وقد بقي من فريقه جندي واحد بعدما قُـتل أو فُـقد الآخرون) على المشهد المفجع لرجل فقد رجاحة عقله وعاش على العنف حتى بات جزءاً منه. دنيس هوبر في دور لا يُـنسى كمصوّر غائب عن الحقيقة بدوره. والنهاية هي حتمية قيام ويلارد باغتيال كورتز، لكن ربما ليحل مكانه كونه لا يستطيع إنقاذ أحد بدءاً بنفسه.