15 أبريل 2021

د. هدى محيو تكتب :«كورونا» والمراهقون

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب :«كورونا» والمراهقون

بعد مرور أكثر من سنة على استمرار جائحة «كورونا» وما ذهبت به من ضحايا ولا تزال، يبدو أن الانعكاسات النفسية لها قد بدأت تظهر وأهمها على مستوى المراهقين والشباب على شكل ظاهرة يرجح أن تكون عالمية، بيد أنها لا تحظى بالاهتمام العالمي الذي تستحقه.

فقد صدر تقرير مؤخراً عن مركز المراقبة والوقاية من الأمراض الأمريكي يفيد بأن حالات الطوارئ في قسم الأطفال قد زادت بنسبة 31 بالمئة عن مثيلاتها في العام الماضي في ما يخص المراهقين الذين يتم استقبالهم في المستشفيات لأسباب تتعلق بنوبات الهلع والقلق والاكتئاب ومحاولات الانتحار أو إيذاء النفس أو الآخرين.

ويقول علماء النفس في هذا المجال إن الكثير من المراهقين والشبان قد تمكنوا من عبور هذه السنة الصعبة لأنهم قد حظوا بعائلات سليمة نفسياً وجسدياً واقتصادياً، وربما عانوا نوبات غضب أو حزن ولكن الدعم العاطفي العائلي المحيط بهم قد ساعدهم على تحمل هذه التحديات.

بيد أن العزلة الاجتماعية وعدم الاجتماع بالأصدقاء والدروس عن بعد مع الانقطاع عن المدرسة قد ترك أثراً كبيراً في الكثيرين منهم. وتشكل هذه العوامل مجتمعة قطيعة كبرى في النمو الطبيعي للطفل تاركة لديه معاناة ناجمة عن الانقطاع المفاجئ والذي لا تعرف نهايته لكل ما كان يشكل نظام حياته اليومية وارتباطاته الاجتماعية.

 وهذا من شأنه أن يخلق لدى المراهق إحساساً بالخسارة غير محدد المعالم ولا المصادر. فهو لم يخسر شيئاً محدداً بل نمط حياة بأكمله وتكون النتيجة إحساسه بحزن عميق لا يستطيع أن يحدد له سبباً واضحاً.

وقد أطلق علماء النفس على هذه الحالة تسمية «الخسارة الملتبسة» وهو شعور عادة ما يستخدم لوصف الأوضاع النفسية للمهاجرين أو للنازحين الذين فقدوا كل ما كانوا معتادين عليه ليصابوا بحالة من الانغلاق العاطفي في بلد جديد وغريب عنهم. كما يستخدم لوصف الناجين من الكوارث الطبيعية والعائدين إلى منازلهم المدمرة حيث فقدوا كل ما كان مألوفًا لديهم وكل ما كان يشكل بنية حياتهم الطبيعية وما كانوا يرتكزون عليه للتخطيط ليومهم ولغدهم.

ويؤكد علماء النفس أن الأطفال أكثر من الكبار، يحتاجون إلى هذا الإطار الثابت من البيئة الاجتماعية المستقرة والروتين اليومي حتى يستندوا إليه في مسيرة نموهم النفسي والاجتماعي.

والمشكلة هي أن النظام الصحي الغارق في مواجهة الجائحة والذي يتمكن بالكاد من محاصرتها لم يخطر له أنه قد يتعين عليه مواجهة تبعاتها النفسية على الناس عمومًا وعلى المراهقين والشبان خصوصًا من أجل خلق أقسام خاصة تعنى بهذه الانعكاسات الكورونية التي لا تقل خطورة عن انعكاساتها الصحية لأن الانعكاسات النفسية من شأنها أن تدوم لسنوات طويلة ما لم تلقَ الرعاية المناسبة.

 

مقالات ذات صلة