31 أغسطس 2022

د. هدى محيو تكتب: حركة التلميذ بركة

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: حركة التلميذ بركة

لطالما كرّر أهلنا وأساتذتنا على مسامعنا أنه لمن قلة الأدب أن نتحرك بلا انقطاع على كرسيّنا في حين أننا نصغي إلى حديث شخص ما أو إلى شرح المعلّم، كما أنه من غير اللائق أن نجعل يدينا «تحكي» أكثر منّا، أي أن نحركها بكثرة ونحن نتكلم.

لكن يبدو أن هذه التوجيهات ليست صائبة بالكامل، فقد أثبتت دراسات عديدة أنه حين نجمع الحركة إلى الإصغاء أو إلى الكلام نتعلّم بشكل أفضل.

فهذه الحركات التي اعتبرت بلا طائل حين ترافق شرحاً ما أكثر فائدة مما يبدو لأول وهلة لأنها تساعد على نقل فكرة وتمكن السامعين من إتقان التركيز والتعلم، كما جاء في الأبحاث حول أثر الحركة في آلية التعلم.

فالعديد من الدراسات قد أظهرت منذ فترة طويلة العلاقة الوثيقة بين الحركة والكلمة والمعرفة.

وبتنا نعلم أن المتعلّم يستوعب المعلومات السمعية التي يتلقاها بالإضافة إلى المعطيات البصرية الخاصة التي تصدر عن أستاذه كالحركات وتعابير الوجه وهي كلها تسهم في فهم ما يقال.

وفي المقابل، ركزت الدراسات الحديثة على أثر الحركات التي يقوم بها المتعلّم نفسه إبان تلقيه المعلومات.

وهي تفيد أن المتعلّمين يتذكرون بشكل أفضل ما تعلّموه حينما يقومون بحركات ترافق الشرح، سواء أكانت عفوية أو تقليداً لحركات المعلّم، بشكل واعٍ أو لاواعٍ... كأرجحة الذراعين مثلاً من أجل التفكير بشكل أفضل.

وقد عمد الباحثون في عدد من جامعات كاليفورنيا إلى اختبار الآثار اللاواعية لحركات اليدين في عملية تعلّم المفاهيم المجردة، كالمفاهيم الرياضية والإحصائية.

ولم يكشفوا للطلاب الهدف الحقيقي للتجربة وجعلوهم يعتقدون أنهم يطلبون منهم التحرك بطريقة معينة من أجل أن يقيسوا قدرتهم على القيام بأعمال متعددة في وقت واحد.

وخلصوا إلى القول إن التفاعل البدني مع البيئة المحيطة يؤثر في الفكر المجرد إلى درجة لا يمكن حتى الآن أن نتخيلها.

أما المفيد في هذه المسألة فهو تطبيقاتها العملية في مبادرات تربوية وتعليمية جديدة. ففي إحدى مدارس كاليفورنيا، يتعلم التلامذة دروس الجبر مترافقة مع تمارين رياضية مناسبة تهدف إلى محاكاة شكل مختلف الوظائف الرياضية، على طريقة النهوض عن المقعد ورفع الذراعين عالياً لتقليد شكل استدارة (U) التي تذكر بواحدة من المعادلات الرياضية.

ويعتقد الخبراء أن أي تعليم يتضمن بعداً مكانياً يمكن أن يجد ما يوازيه من حركات جسدية مساعدة على الاستيعاب والفهم.

وللمعلّمين نقول إنهم مهما فعلوا لن يتمكنوا من جعل التلميذ يجمد على كرسيه، إلا إذا ربطوه عليه، وإن كان لا بد من الحركة فلتكن هذه الأخيرة مفيدة وهادفة.

 

مقالات ذات صلة