24 يوليو 2021

د. باسمة يونس تكتب: المرحلة الصعبة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب: المرحلة الصعبة

كل منا يمر بمرحلة صعبة في حياته، وأصعبها التي تبدأ مع خشية التخلص من ارتباطات معقدة كي لا تلسعنا الوحدة.

واحدة من هذه الارتباطات هي العلاقة بالعمل، والشعور بأن هذا العمل هو الشيء الوحيد الذي يسمح لنا بالعيش كأناس وبأنه يخدمنا أكثر مما نخدمه ويتوجب علينا التفاني لأجله كي لا نخسره ونخسر معه كل ما نحن عليه.

والارتباط الآخر هو العلاقة بالعائلة، فهذه العائلة هي كينونتنا والمساحة الوحيدة التي يمكن العيش فيها والتمتع بالحرية لأننا مهما فعلنا لأجلها لن تسيء إلينا ولن تحرمنا يوماً مما هو حق لنا.

والارتباط الأخير علاقتنا بوسائل التواصل الاجتماعي التي كانت في البداية تبشر بالخير، وفتحت لنا أبواباً ونوافذ كثيرة، وتوقعنا أن تصبح سنداً لنا في حياتنا وطموحاتنا فلم نبحث فيها إلا عمن نرغب بأن يكونوا أصدقاء لنا ليبقوا عوناً وسنداً لنا عند الحاجة.

وعلى مر الأيام، نخوض أحداثاً ومواقف كثيرة في عملنا ومجتمعنا ومع المقربين من حولنا ثم سنكتشف بأن من نقضي وقتاً طويلاً في متابعتهم على حسابات هذه الوسائل لا يعرفونا، بل نحن لا نعني لهم شيئاً، وبأن عائلتنا التي كانت مثل مظلة واقية لنا من الوحدة والخوف، قد تحولت إلى غول متمرد يفتح فمه لالتهامنا ويكبر الغول يومياً فيخفينا ظله عن الناس ويلقي بثقله فوقنا لنصبح غير مرئيين للآخرين، ويقضي علينا العمل في لحظة معينة، مع توقيع قرار إنهاء الخدمات لأن الموظف لم يعد مربحاً ولم تعد قدراته تتفق مع طموحات التطور في الأعمال.

والآن، يعتقد الكثير بأنهم لم يعودوا قادرين على إخراج أنفسهم من أسفل هذا الظل الثقيل لأن الانسحاب من تحت كرة ثلج وهمية أشبه بولادة متعسرة قد لا تنتهي على خير وقد تتخلص منا بولادتنا مخنوقين غير قادرين على التنفس من جديد.

ولكن لم لا نتوقف لنفكر بما يعزز لدينا هذا الاعتقاد الخاطئ؟ ولماذا لا تزال تعتقد بأننا غير قادرين على الاستمتاع بحياتنا بدون حاجة للارتباط بأشياء أو أشخاص لا يقدرون شخصنا ولا يمنحوننا السعادة التي نستحقها، بل لا يعرفون محل وجودنا ولا من نكون ولماذا نتواجد في هذه الحياة إن لم نكن قد أتينا للاعتناء بهم ومساعدتهم؟

لماذا نضع حياتنا وأرواحنا في أيد لا تدرك مشاعرنا ولا تفكر بما سيحدث لنا لو أنها ضغطت قليلاً أو اتخذت قراراً بالتخلص منا لأننا مجموعة من المتابعين غير المرئيين بالنسبة لها، فتسد علينا منافذ التنفس وتزهق أرواحنا بلا قصد ولا دراية؟

ألم يخطر في بال أي منا للحظة، بأن من تحولت حياتنا إلى وسيلة لمدهم بالحياة ووجودنا إلى حبل الوريد الذي ينعشهم، يشعرون بخوف أكبر من خوفنا ويعيشون قلقاً وأزمة خشية فقدان ما يجعلهم يزيدون من الضغط علينا كي لا نتملص من بين أيديهم وننجو بأنفسنا منهم؟ ألم نحاول تخيل صورة الغول الجالس فوقنا وهو يسحقهم أسفل ظله الثقيل فيجعلهم يعانون أكثر من معاناتنا، فيحاولون التشبث بنا وجرنا معهم لتخفيف الضغط عنهم؟ لنتخلص إذاً من فكرة الخوف من الوحدة، التي قد تكون أحياناً أفضل من البقاء مع آخرين كل ما يفعلونه سحقنا بقسوة.

هل تخاف من الوحدة؟

 

مقالات ذات صلة