27 أغسطس 2020

د. باسمة يونس تكتب: ماري شيلي.. ورعب الوحدة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: ماري شيلي.. ورعب الوحدة

أحبت «ماري غودوين» ابنة الكاتب والمفكر ويليام غودوين والكاتبة ماري وولستونكرافت، الشاعر بيرسي شيلي والذي تعلق بماري لأنها امرأة مثقفة لديها القدرة على التفاهم معه وفهمه. ورغم أن بيرسي كان يغدق على ماري قصائد حبه وهيامه، لكنه لم يخبرها بأنه كان متزوجاً، ولم تعرف الحقيقة إلا بعد أن علقت في شباكه ولم يعد لها من مفر سوى الرضوخ أمام المفاجأة.
واندفعت ماري غودوين وراء مشاعرها، وفرت من بيت أبيها لتتبع بيرسي، وترضى بمفاجأة السكن في شقة قذرة رغم أنه وعدها بالإقامة في قصر والده، ومفاجأة طرد أبيه له وقطع مصروفه عنه، ومفاجأة اكتشافها بأنها قد أساءت لنفسها ولذكائها بهذا الخيار.
لكنها لم تشعر بالألم إلا بعد أن أنجبت ابنتها الأولى وخسرتها لأنها ماتت أثناء فرارها مع بيرسي من المنزل في ليلة شتوية قارسة هرباً من الدائنين!
تلك المفاجآت المتتالية والمعاناة الصعبة، لم توقف قلبها عن الخفقان لبيرسي، ولم تنجح في التخلي عنه رغم محاولاتها القيام بذلك مراراً، لكن المعاناة التي عاشتها والوحدة الصعبة التي وجدت نفسها تخوضها كانت سبباً مهماً في أن تكتب روايتها العظيمة والخالدة «فرانكشتاين» والتي تدور أحداثها حول فيكتور فرانكشتاين، الرجل الذي تقض مضجعه فكرة الخلود والرغبة في اكتشاف أكسير حياة يبقيه حياً هو ومن يحب من أصدقائه للأبد.

وظل فيكتور يعمل ليلاً ونهاراً في مشروعه الغريب، والذي يتمثل في صنع مخلوق من أعضاء الموتى التي كان يجمعها من المدافن ومحاولة إحيائه بواسطة الصواعق. ويستيقظ المخلوق بالفعل ويخرج من الحجرة التي كانت موصدة عليه لكنه ليس سوى مخلوق مشوه، لا يملك فيكتور بعد رؤيته سوى طرده من منزله.
ويخرج هذا المخلوق المشوه بحثاً عن مكان يأويه ليعثر في الغابة على عائلة مكونة من أب وابنته وابنه، ويقع المخلوق المسخ في حب الفتاة ويطلبها للزواج لكنها تنفر منه وتفر من أمامه، ليقرر بعدها أن يحرق المنزل ويقضي على كل من فيه.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل يعود المسخ إلى منزل صانعه فيكتور الذي كان قد تزوج من إليزابيث ويطالب فيكتور بأن يخلق له امرأة يتزوجها وتسلي وحدته المتفاقمة وعندما يفشل فيكتور بذلك، ينتقم منه فرانكشتاين بقتله لأنه كان السبب في صنعه ومجيئه إلى حياة لا تنسجم معه ولا يمكنه التأقلم فيها ويموت المسخ كذلك جراء نزفه بعد أن طعنه فيكتور مراراً. وتتزوج إليزابيث من صديق فيكتور هنري وينجبان طفلاً يسميانه فيكتور.

تركت «ماري شيلي» في رائعتها «فرانكشتاين» قصة رعبها الحقيقة وروت حكاية الحزن الذي ملأها وفاض عندما اكتشفت بأنها أخطأت في حبها واختيار الحياة التي ظنتها ستشفق عليها من تسلط زوجة أبيها، لكنها لم تتمكن من العودة إلى سابق ماضيها لأنها كانت قد أحبت بيرسي وقبلت بالارتباط به، وشهدت على انتحار زوجته التي لم تحتمل خسارته، وتحملت ألم وفاة رضيعتها بين ذراعيها، فأصبح داخلها مثل مسخ مشوه، لا يمكنه الاستمتاع بالعيش كبقية البشر ولا يمكنه اعتزالهم لأن الوحدة ستدمره بلا رحمة.