6 أغسطس 2023

د. هدى محيو تكتب:هل الطلاق سلوك وراثي؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب:هل الطلاق سلوك وراثي؟

هو سؤال في الحقيقة يزرع الخوف في قلب كل شاب ينوي التقدم لخطبة فتاة من والدين مطلقين، أو في قلب كل فتاة تنوي الزواج من شاب متحدر من والدين مطلقين. فهل ستكون مثل والدتها؟ وهل سيفعل مثل والده؟

أبحاث كثيرة تدل على أن أولاد الأزواج المطلقين يسلكون طريق الانفصال عن أزواجهم بدورهم أكثر من سواهم من أولاد الأسر التي لم تعرف الطلاق. وتقول النظرية المسيطرة إنهم يعيدون إنتاج سلوك الأهل الذين رأوهم يتناحرون أمام أعينهم أو رأوا أنهم لم يبذلوا الجهد الكافي للحفاظ على زواجهم.

لكن ثمة دراسة أميركية - سويدية تضيف إلى العامل النفسي المذكور إمكانية عوامل وراثية تلعب دورها في هذا المجال. استندت الدراسة إلى إحصاءات في سجلات النفوس السويدية لعشرين ألف شخص تم تبنيهم عبر مقارنة وضعيتهم الزوجية بوضعية أهلهم بالتبني وكذلك أهلهم البيولوجيين. وكانت النتيجة أن أطفال الأهل البيولوجيين المطلقين يميلون إلى الطلاق أكثر مما يميل أطفال الأهل بالتبني المطلقين. لذا تم طرح إمكانية وجود دور أساسي للعوامل الوراثية، من دون استبعاد تأثير البيئة المحيطة بالطفل كذلك.

كما أن هذه النتائج الإحصائية لا تعني أن ثمة وجود «مورثة الطلاق» أو «جينة الطلاق» لدى ذرية الأهل المطلقين، بل تشير إلى وجود بعض سمات شخصية، قد تكون وراثية، ومضرة بالحياة الزوجية كعدم الاستقرار العاطفي مثلاً الذي يجعلنا ننظر نظرة سلبية إلى كل ما يفعله شريكنا. لكن ثمة سؤالاً بديهياً يمكن أن نطرحه، وهو: ألا يمكن أن يكون عدم الاستقرار العاطفي هذا ناجماً ليس عن عوامل وراثية بل عن حضور الطفل مشاحنات يومية بين والديه؟

وثمة ظواهر أخرى نشهدها من حولنا ولا تحتاج إلى دراسات إحصائية للتأكد منها، وهي أن الكثير من المتحدرين من أسر مفككة يحرصون أشد الحرص على توفير أجواء السلام والوئام والطمأنينة لأطفالهم نظراً لما عانوه أنفسهم من تشرذم أسرهم وتفككها. كما نشهد كذلك عدداً من حالات الطلاق لدى أبناء وبنات أسر عاشوا في كنف أسرة متماسكة جامعة.

لهذه الأسباب نرى أن الحكم المبرم والقائل إن وليد أسرة مفككة لا بد أن ينتهي بالقضاء على أسرته بدوره هو حكم متسرع وحكم، إن لم يكن جائراً، فهو مسبق في أحسن الأحوال. من المؤكد أننا صنيع بيئتنا وصنيع وراثتنا لكننا كذلك صنيع خياراتنا الواعية وإدراكنا لمسؤولياتنا. وهذا الإدراك، الذي يمكن لفترة الخطوبة أن تستشف وجوده من عدمه، كفيل بحمايتنا من الانجرار وراء حتميات وراثية أو بيئية حتى نوفر لأطفالنا الظروف الأفضل التي تساعدهم على مواجهة الحياة.

 

مقالات ذات صلة