6 أبريل 2022

د. خالد البزايعة: حثوا أبناءكم على التمسك بالعبادات بعد رمضان

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

د. خالد البزايعة: حثوا أبناءكم على التمسك بالعبادات بعد رمضان

له عدة مؤلفات أهمها «محمد رسول الله كأنك تراه»، و«جرائم الحرب في الفقه الإسلامي والقانون الدولي» وغيرها من الكتب المتخصصة في الفقه والسيرة النبوية، كما نجح في إعداد وتقديم بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية منها «مع الحبيب محمد» في إذاعة القرآن الكريم الأردنية، وبرنامج «رحماء بينهم» في إذاعة الأمن العام بالأردن.

هو المفكر الإسلامي الدكتور خالد رمزي البزايعة، الحاصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله، والذي تلتقي معه «كل الأسرة» ليجيب عن بعض التساؤلات الخاصة بقضايا مرتبطة بشهر رمضان، وكان الحوار التالي:

د. خالد البزايعة: حثوا أبناءكم على التمسك بالعبادات بعد رمضان

يرتبط الشهر الفضيل بطقوس معينة تتفلت منا بمجرد انقضائه، فما السبيل للخروج منه محملين بروحانياته؟

يعد رمضان محطة إيمانية يتزود بها المؤمن ما استطاع من القرآن والصيام والتحلي بجمال ومكارم الأخلاق، فالإنسان في هذا الشهر تتحسن معاملاته لأنه يعلم أن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، فهو يترك الطعام والشراب وينبذ السلوكيات غير الحميدة من عصبية وغضب ابتغاء مرضات الله تعالى، فمن فهم عمق ورسالة هذا الشهر نجده يتصف بالصبر والأخلاق الراقية، فإن سبه أحد أو شتمه لا يرد الإهانة بمثلها أسوة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»، ناهيك عن الطقوس الأخرى التي تحمل كثيراً من المشاعر الإنسانية كتلك المتعلقة بجبر الخواطر والإحساس بالغير ومساعدة المحتاجين والمساكين والفقراء، وللأسف قليل من الناس من يحافظون على ممارسة تلك العبادات بعد رمضان، وهنا يأتي دور الوالدين في حث الأبناء على التمسك بها بعد انقضاء الشهر، فمن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، عليهما أن يدفعا الأبناء للحفاظ على صناعة الخير وممارسة السلوكيات الإيجابية، التي اعتادوها خلال شهر كامل ويجعلوها نمط حياة.

المسلم لا يؤذي إخوانه ولا يظلمهم ولا يأكل حقوقهم ولا يقطع رحمه ولا يسيء لجاره، فرمضان شهر التكافل الاجتماعي والإحسان للناس

ما الوسيلة التي تمكننا من إحياء العبادات بخشوع؟

يشكو كثير من الناس من شرود الذهن أثناء الصلاة أو قراءة القرآن، وأرى أن الخشوع يأتي من إدراك الإنسان لحقيقة مهمة، وهي أنها ربما تكون آخر مرة يقف مستقبلاً فيها القبلة ليصلي وهو ما يحثه على قضائها بالشكل الذي يليق بها، وإن استحضر في نفسه بأن قراءة كل حرف من القرآن الكريم بعشر حسنات سيجد نفسه يقرأ بتدبر، فعندما تأتيه آيات الرحمة يذوب قلبه حباً لله عز وجل، وعندما تأتيه آيات العذاب يدعو الله أن يصرفه عنه، ويبكي قلبه عندما يقرأ عن الأمم السابقة التي عصت وتجبرت، كما أن عدم تأجيل أداء العبادة من الأمور المهمة التي تستحضر الخشوع، فلا تؤخر المرأة مثلاً الصلاة من أجل إعداد أحد الأطباق، أو لمسلسل تتابعه، فاليوم الذي يمر لا يعود وعلينا أن نتزود منه قدر المستطاع، والخشوع يأتي عندما نعبد الله تعالى، كأننا نراه وإن لم نكن نراه فإنه يرانا.

د. خالد البزايعة: حثوا أبناءكم على التمسك بالعبادات بعد رمضان

ماذا تقول لمن يختصر ثواب رمضان بإفطار الصائمين وإقامة الولائم والعزائم؟

الإبقاء على الولائم من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً» يعد شيئاً جميلاً، لكن يجب أن يأتي المسلم بأعمال أخرى تقوي مفهوم الصيام، فمن يعتمد في نيل الثواب على إقامة هذا فقط فلم يفهم الغاية من إحياء الشهر الفضيل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه».

وقد فسر العلماء المراد بقول الزور كل معصية، فالمسلم لا يؤذي إخوانه ولا يظلمهم ولا يأكل حقوقهم ولا يقطع رحمه ولا يسيء لجاره، فرمضان شهر التكافل الاجتماعي والإحسان للناس، بجانب التزود بكثير من الأمور كأن يعطي الشخص صدقة يومية للمحتاجين، أو يعود مريضاً، أو يتبع جنازة أو يبر والديه، أو يصل رحمه، أو يجبر بخاطر زوجته ويحسن معاملتها ويكرمها، وغيرها من العبادات التي ينهل منها المسلم ليشبع حاجته من هذا الشهر الفضيل.

أؤيد مبدأ الترغيب والترهيب في التربية وأرى أن أكثر ما يؤثر في الطفل هو معايشة الفعل وليس التوجيه بالكلمة

ما رأيك فيمن يعتزل الناس ويخصص الشهر الفضيل لحفظ آيات القرآن الكريم على سبيل المثال، فهل هذا هو الوقت المناسب؟

ورد عن العلماء الأجلاء الكثير في موضوع قراءة القرآن وتدبر آياته وليس حفظه في رمضان، فهناك من يختمه في ليلة أو ليلتين وإن كان يكره أن يختم في أقل من ثلاثة أيام، لكن من يحفظ آياته فلا بأس، والمهم ألا يكون ذلك على حساب باقي العبادات أو وقت العمل، أو قضاء متطلبات واحتياجات الأسرة والأبناء.

يشكو كثير من الآباء والأمهات عدم قدرتهم على إلزام فلذات أكبادهم بفعل الطاعات، فما السبيل لتصحيح حال أبنائنا؟

أؤيد مبدأ الترغيب والترهيب في التربية، وأرى أن أكثر ما يؤثر في الطفل هو معايشة الفعل وليس التوجيه بالكلمة، فعندما يرى والده وهو يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة أو يشجعه على أن يؤم إخوته ووالدته للصلاة في البيت، أو تجلب الأم لابنتها ملابس مخصصة للصلاة وتشجعها على أن تشاركها أدائها، كل ذلك أدعى أن يثبت أركان الطاعات عند الإنسان، بجانب استخدام أسلوب الترهيب والحرمان أحياناً كنوع من العقاب على عدم أداء الطاعات.

أصبح استخدام مواقع التواصل الاجتماعي متاحاً للجميع، فما موقف الشرع من نشر الفيديوهات والصور التي تخص أشخاصاً بعينهم؟

لا أجد مبرر تحت أي خانة لنشر فضائح الناس وتتبع عوراتهم، وبيان عيوبهم وكشف سترهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة»، وقال «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله»، فالله تعالى يفضح العبد الذي يهتك بأسرار الناس، وكما يقال «فكلك عورات وللناس ألسن».

الرجل سند لزوجته وعليه أن يشعرها أنه دائماً في ظهرها وأنه لا يخذلها

تشير دائماً إلى أن الزوجة في حاجة إلى من يسمعها، فهل مشاغل الحياة وحدها حرمتها من ذلك، أم هي مشكلة موجودة لدى معظم الأزواج؟

لست مع البيوت النمطية، التي لا يعلو فيها صوت الحب والود ويغيب الحوار داخلها، فما الداعي لإقامة مثل تلك البيوت؟ فلو بقيت الزوجة في بيت أهلها لكان خيراً لها، فالزواج سكن ومودة ورحمة، فالرجل سند لزوجته، وحتى إن كانت مخطئة فعليه أن يشعرها أنه دائماً في ظهرها وأنه لا يخذلها، فالعتب موجود والإقرار بالذنب مطلوب، لكن بشكل عام فالزوج سند في الأساس، فالمرأة في حاجة دائمة إلى أذن تسمع وإلى قلب يرق، خاصة إذا ما شغل تفكيرها هم أو مشكلة فهي في حاجة إلى من يسمع وتفضفض له، وعندما تفرغ ما بداخلها يستطيع الزوج أن يقدم المشورة وهنا تستوعب كلامه وتدرك أنه مرآتها ومن يريد لها دوماً الخير.

د. خالد البزايعة: حثوا أبناءكم على التمسك بالعبادات بعد رمضان

ما أهم القضايا الاجتماعية التي تفرض نفسها على الساحة اليوم؟

يعاني العالم الإسلامي من مشاكل أخلاقية كثيرة، وأهم القضايا المطروحة على الساحة هي كيف نعيد شبابنا وبناتنا إلى التحلي بسماحة الدين الحنيف من التزام، ورقي أخلاقي، وأمانة، وعدم غش، وجشع، وعدم نشر الأفكار المضللة التي تسيء للإسلام، فنحن بحاجة إلى وعي كامل يبث في شرايين تلك الأمة، فالأصل في المسلم أن يكون كالغيث أينما حل نفع، فكم من أمم اعتنقت الإسلام بسبب أخلاق التجار المسلمين وسماحتهم وصدقهم، فمشكلتنا بالدرجة الأولى أزمة أخلاقية.

نعيش حالة فوضى في كثرة الفتاوى التي تلعب في ثوابت الدين، فما السبيل للخروج من تلك الأزمة؟

لكل بلد إسلامي دار للإفتاء وهي تعد بمثابة حائط صد أمام الآراء الغريبة التي لا تتماشى مع قواعد وثوابت الدين، وينبغي أن تؤخذ الفتوى فيما يخص الشأن العام من هذه الدور، وأنا دائماً ما أدعو إلى أن يكلف الإنسان نفسه مشوار الذهاب لسماع رأي علماء الدين في تلك الدور فيما يتعلق بمشاكل الطلاق والإرث وغيرها وأن ينصت باهتمام لحكم الدين في تلك الخلافات، فسبب نشر الأفكار الظلامية وسرقة المال والاعتداء على الأنفس.. وغيرها هو أخذ الفتاوى ممن لا حق لهم في ذلك.

 

مقالات ذات صلة