28 أبريل 2022

مفتي مصر د. شوقي علام: الترويح عن النفس في عيد الفطر من الأمور المستحبة

محرر متعاون

محرر متعاون

مفتي مصر د. شوقي علام: الترويح عن النفس في عيد الفطر ليس مباحاً فحسب بل هو من الأمور المستحبة

كل عام وأنتم بخير.. نعيش أجواء الأيام الأخيرة من شهر الخير والفضل والكرم، والذي جعل الحق سبحانه وتعالى أوله رحمه، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.. كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكيف يعيش المسلم الأيام الأخيرة من رمضان؟ وما القيم والمبادئ والأخلاقيات التي ينبغي أن يخرج بها من شهر رمضان المبارك لتوجه سلوكه نحو الأفضل والأرقى والأنفع طيلة العام؟ وما الذي ينبغي أن يحرص عليه المسلم في عيد الفطر المبارك لينال رضا الله ورضا الناس بعد أن يخفف عن نفسه وأهل بيته هموم الحياة وأعباءها في هذا اليوم المبارك؟ وما موقف الشرع من الذين تتحول حياتهم من طاعة وحرص على الفضائل والأخلاقيات الكريمة في رمضان إلى لهو وعبث ومعاصٍ بعد رمضان؟

هذه التساؤلات وغيرها مما يشغل بالنا جميعاً هذه الأيام المباركة عرضناها على العالم الأزهري د. شوقي علام، مفتي مصر ورئيس الأمانة العامة لدور ومؤسسات الإفتاء في العالم، ليجيب عنها بأسلوبه البسيط، وثقافته الإسلامية الواسعة وفيما يلي تفاصيل الحوار:

نعيش الأيام الأواخر من رمضان.. فما أفضل ما يفعله المسلم خلال هذه الأيام؟

هذه أيام مباركة، فقد اختصها الله بنفحاته، ونشر فيها مظاهر رحمته وأسباب فضله، من مضاعفة الثواب، وزيادة العمل، وعموم الغفران، بما يثمر في تجديد عمر الإنسان، وإنعاش أنفاسه الإيمانية، ويزيد في صحيفة أعماله ثواباً عظيماً وأجراً جزيلاً. فالأيام الأخيرة من رمضان هي أيام العتق من النيران، ومضاعفة الأعمال، وزيادة الأرزاق، والرحمة العامة، والمغفرة الشاملة، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بها اهتماماً خاصاً، ويجتهد في إحيائها زيادة عن المعتاد.

ولقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تحري ليلة القدر في هذه الأيام المباركة خاصة في الليالي ذات الأعداد الفردية، وهي ليلة مشهودة يحصل فيها مزيد اتصال بين العباد وربهم سبحانه، وهي ليلة بدء نزول القرآن الكريم على قلب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي ليلة سلام تنزل الملائكة فيها بالبركة والرحمة، وقد سئل رسول الله عن ليلة القدر، فقال صلى الله عليه وسلم: «هِيَ فِي رَمَضَانَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ؛ فَإِنَّهَا وِتْرٌ: فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ، فَمَنْ قَامَهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ».

صلاة العيد، شعيرة من شعائر الإسلام، وهي سنة مؤكدة على كل من تجب عليه صلاة الجمعة

ماذا تقولون لهؤلاء الذين يتكاسلون عن صلاة العيد.. وهل هي واجبة على كل الصائمين؟ وهل يجوز أداؤها بالمساجد أم لابد أن تكون بالخلاء؟

صلاة العيد، شعيرة من شعائر الإسلام التي يجب على المسلم أن يحافظ عليها محافظة تامة، وهي سنة مؤكدة على كل من تجب عليه صلاة الجمعة، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يواظب عليها منذ أن شرعها الله تعالى، وكانت مشروعيتها في السنة الأولى من الهجرة، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم الى المدينة المنورة كان لأهلها يومان يلعبون فيهما فقال صلى الله عليه وسلم «وما هذان اليومان»؟ قالوا: يا رسول الله هذان يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال: «إن الله تعالى قد أبدلكما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر».

وصلاة العيد ركعتان كسائر النوافل يصليان قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وينوى بهما صلاة العيد، وبعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة يكبر سبع تكبيرات يرفع يديه حذو المنكبين في كل تكبيرة ويفصل بين كل تكبيرتين بقدر آية صغيرة، وبعد أن ينتهي من التكبير يتعوذ ويبدأ في قراءة الفاتحة ثم السورة ويندب أن تكون سورة «الأعلى» ويندب أن يقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة «الغاشية» فإذا ما انتهى الإمام من صلاته خطب المصلين خطبتين يجلس بينهما جلسة استراحة كما هو الشأن في خطبة الجمعة، ولكنه يبدؤها في العيد بالتكبير، بغير تحديد عند المالكية، وعند الشافعية يفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع تكبيرات.

وما الأيام التي حثنا عليها ديننا ونحن نحتفل بعيد الفطر المبارك؟

يوم العيد هو من الأيام المباركة والسعيدة في حياة كل مسلم، وقد حثنا ديننا على الفرح والسرور وإدخال السعادة على كل المحيطين بنا، ولكن عن كل لهو أو عبث يرفضه الدين، ومن الأمور المستحبة التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم أو المسلمة في هذا اليوم أن يكثرا من ذكر الله، وألا يشغلهما اللهو والترفيه عن الصلاة وذكر الله، والعطف على الفقراء والمحتاجين، وصلة الرحم، فهي من الأمور الواجبة على كل مسلم في هذا اليوم.

وينبغي أن يبدأ المسلم يوم العيد بأداء صلاة العيد مع جموع المسلمين في الخلاء أو في أحد المساجد الكبرى إذا لم تتيسر الصلاة في الخلاء.. وعلى المسلم أن يستعد لأداء صلاة العيد بالاغتسال، وأن يخرج إليها، وهو يلبس أجود وأجمل ملابسه، وأن يضع على جسده شيئاً من الروائح الذكية، وأن يتناول شيئاً من الطعام قبل خروجه لأداء صلاة عيد الفطر، وأن يقدم صدقة الفطر قبل الذهاب للصلاة إذا كان لم يخرجها بعد، وأن يكثر من ذكر الله ومن التكبير عند خروجه للصلاة.

وبعد الانتهاء من صلاة العيد والاستماع بآذان صاغية إلى ما يقدمه خطيب صلاة العيد من نصائح وتوجيهات ينصرف المسلم من مكان الصلاة ويعود إلى منزله من طريق آخر غير الذي حضر منه إن تمكن من ذلك لكي يلتقي في الشارع ما بين المنزل ومكان الصلاة بأكبر عدد من المسلمين لتجديد مشاعر المودة والمحبة وتبادل التهاني مع كل من يقابله.. ثم يخرج من منزله إلى منازل الأحباب والأقارب والأصدقاء ومن قبلهم الأهل لأداء واجب صلة الرحم.. ثم بعد ذلك يخرج مع أهله وأولاده أو يجلسون في منزلهم يروحون عن أنفسهم ويحاولون التخلص من الهموم والأحزان طوال هذا اليوم والأيام التي تعقبه، وأن يكون شعارهم في أعيادهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت».

وفي كل حركة أو نشاط للمسلم الذي يحتفل بالعيد عليه أن يتجنب المحظورات الشرعية فلا يشرب خمورا، ولا يتحرش بنساء، ولا يضايق أحدا من خلق الله، ولا يؤذي حيواناً، ولا يهجر جاراً.. فالمسلم في سلوكه العام في الأعياد متسامح، متعاطف، رحيم بكل مخلوقات الله.. وهذا شأن المسلم في كل وقت.

مفتي مصر د. شوقي علام: الترويح عن النفس في عيد الفطر ليس مباحاً فحسب بل هو من الأمور المستحبة

بعض المتدينين تسيطر عليهم حالة من الحزن واليأس حتى في الأعياد ولذلك يحرمون أسرهم من مباحات كثيرة في هذه المناسبات.. بماذا تنصحونهم؟

هذه سلوكيات خطأ وتحمل مخالفة واضحة لتعاليم الإسلام، فمن أبرز سمات وخصائص ومزايا شريعتنا الإسلامية أنها تقوم على اليسر لا على العسر، وعلى السماحة لا على التشدد، وعلى رفع الحرج وليس التضييق والتشدد.

والأعياد تأتي عقب أزمنة مباركة وأوقات مفضلة اختُصت بالاجتهاد في العبادة والأعمال الصالحات، فعيد الفطر المبارك هو يوم جائزة للمسلم يحظى فيه بفرحتين عظيمتين لهما أثر كبير في حياته وآخرته، وهما: فرحة أداء ركن من أركان الإسلام الخمسة، وفرحة اليقين بجزيل الأجر والثواب بين يدي ربه عز وجل، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّه».

ومن هنا لا يجوز لمسلم أن يحرّم أمراً أباحه الله ورسوله، أو يحرم نفسه أو أهله من أمور مباحة أو مستحبة، والترويح عن النفس في الأعياد ليس مباحاً فحسب، بل هو من الأمور المستحبة التي حثت عليها شريعة الإسلام لتخفيف المعاناة النفسية عن الإنسان وتجديد نشاطه في الحياة لكي يعود إلى التكاليف والعبادات والطاعات وهو أكثر نشاطا وحيوية.. إذا كل شيء في تشريعات الإنسان له أهدافه وحكمه السامية وعلى المسلم إذا كان بالفعل حريصاً على طاعة الله ورسوله أن يلتزم بما شرعه الله فلا يحرم على نفسه أو على الآخرين أمراً مباحاً أو مشروعاً، ولا يضيّق على الناس ما وسعه الله عليهم، فهذا السلوك يجلب لكل من يفعله غضب الله عز وجل.

 

مقالات ذات صلة