13 مارس 2022

المصير الغريب للأمير فيليب شقيق ملك فرنسا

كاتبة صحافية

كاتبة صحافية

المصير الغريب للأمير فيليب شقيق ملك فرنسا

لم تكن الملكة آن، سليلة العائلة المالكة النمساوية، تحلم بأن يرزقها الله بولي للعهد.

لقد اقترنت بملك فرنسا لويس الثالث عشر، وحاولت الإنجاب طوال عشرين عاماً، دونما جدوى. لكنها حملت فجأة ووضعت ولداً ذكراً سمّته لويس. وفي السنة التالية حملت مجدداً ووضعت صبياً ثانياً هو فيليب، وهو المولود الذي سيتربى مثل فتاة لكيلا يؤثر في الهالة التي أحاطت بأخيه البكر لويس، الذي سيعتلي العرش ويقوم بإنجازات جعلته يحمل لقب «الملك الشمس».

قالت له أمه الملكة: «ستكون فتاة يا ولدي»

المصير الغريب للأمير فيليب شقيق ملك فرنسا
الأمير فيليب

في أيامنا هذه، صار من غير المستغرب أن يجلس في الصف المدرسي تلميذ يدعى جاك لكنه يرتدي ثياب بنات.

إن القوانين تسمح بعمليات تصحيح الجنس. ويمكن للشبان والشابات تغيير هوياتهم الجنسية حسب الوضع الذي يرتاحون له. لكن هذا الأمر لم يكن متاحاً في العصور القديمة. وكان من المستغرب أن يرتدي ولد أزياء البنات.

مع هذا، فرضت الملكة آن على طفلها الثاني فيليب أن يكون فتاة. أرادت ملكة فرنسا صد أعين الحساد عنها، بعد أن تأخرت في الإنجاب ثم ولدت طفلين من الذكور. لكن السبب الحقيقي هو أنها أرادت للأضواء أن تتركز على ابنها البكر لويس، ولي العهد، حتى ولو حجبتها عن شقيقه.

صراع الشقيقين

المصير الغريب للأمير فيليب شقيق ملك فرنسا
ولي العهد لويس وشقيقه فيليب

«ستكون فتاة يا ولدي»، هذا ما همست به الملكة في أذن ابنها الثاني عند ولادته عام 1640. لقد قررت أن تلبسه الفساتين المطرزة بأزهار وأن تربيه تربية البنات الأميرات، لا الأمراء. فطوال عشرين عاماً تصورت الأميرة النمساوية آن أنها عاقر. جيء بها من بلدها لتتزوج ملك فرنسا وتمنحه ولياً للعهد، لكن ولادة الوريث تأخرت كثيراً.

فلما رأى النور استأثر باهتمام الجميع. ولم تتوقع الملكة أن السماء ستكون سخية معها فتمنحها طفلاً ثانياً. والحقيقة هي أنها كانت في منتهى الزهو وهي تستقبل ثاني المواليد، لكنها خافت من أن ينافس في الاهتمام شقيقه ولي العهد.

في بلاط ملوك أوروبا، كان من الشائع أن تقوم منافسة حامية بين الأشقاء. فالتاج يبهر العيون والعرش يشتت قرابة الدم. وقد عاشت الملكة آن وقائع الخلاف الكبير الذي جرى بين زوجها لويس الثالث عشر وبين شقيقه جاستون. كان الأخ يحسد الملك على نفوذه ولا يفوت فرصة للتشكيك بذلك النفوذ. كما اشترك جاستون في العديد من حركات التمرد التي قام بها النبلاء ضد الملك الشاب. وكانت الملكة تستند في قراراتها على وزيرها المخلص الكاردينال مازاران وتضع ثقتها فيه، وهي قد أكدت عليه بأنها لا تريد لولديها أن يتصارعا حول العرش مثلما تصارع أبوهما مع عمهما. لم تكن ترغب برؤية مكائد البلاط تفسد جلوس ابنها البكر على عرش فرنسا.

المصير الغريب للأمير فيليب شقيق ملك فرنسا
الملكة آن وولداها

لقد قررت أن تربي الطفل الثاني مثل بنت فلا تنشأ لديه أي طموحات بخصوص العرش. وكانت تحمله بين يديها وتهدهده بتلك العبارة «ستكون بنتاً يا ولدي» وتلبسه ثياب البنات. إن ارتداء الصبيان للفساتين في تلك السن الصغيرة لم يكن غريباً، لكنه سيلفت النظر بعد سن السابعة. وبسبب تشجيع والدته، نشأ فيليب ميالاً للتحلي بالمجوهرات وارتداء الفساتين الجميلة.
كانت الحاشية تطلق عليه لقب «السيد الصغير» لكنه بقي دائماً محاطاً بالنساء والوصيفات. وقد جيء له برفيق من نفس عمره لكي يلعب معه، أصبح فيما بعد كاهناً، وقد روعي أن يرتدي ذلك الطفل ثياب البنات أيضاً، بناء على أوامر الملكة.

وكان من الطبيعي أن ينشأ الأمير الصغير محباً للتحول الجنسي وميالاً للتنكر بثياب نساء. وقد كتبت ابنة عمه، آن ماري لويز، في مذكراتها «حين وصلت إلى قصر اللوفر رأيت الأمير ذا جدائل شقراء ويرتدي فستاناً، وقد كانت والدته سعيدة لأنه يشبهني».

كبر الأمير وازدادت الملاحظات حول مظهره. وقد وصفه الكونت سان سيمون وصفاً دقيقاً محفوظاً في السجلات الملكية، جاء فيه «كان رجلاً صغيراً ذا بطن، مثبتاً على ركائز متينة. وكان حذاؤه ذا كعب مرتفع للغاية، ويرتدي دائماً ثياب امرأة. أصابعه ملأى بالخواتم والأحجار الكريمة ويداه بالأساور. مع شعر مستعار طويل مفرود في المقدمة وشرائط في كل مكان».

المصير الغريب للأمير فيليب شقيق ملك فرنسا
الأمير فيليب

وبما أنه تربى مثل أميرة أنثى فقد كان من الطبيعي أن يجتذب اهتمام الرجال. وقد كتب رفيقه في اللعب أنهم كانوا يفرضون عليه ارتداء ثياب البنات في كل مرة يزوره الأمير ليلعب معه، «لقد ثقبوا أذنيّ وألبسوني الحلي المرصعة بالألماس وكانوا يغطون البثور في وجهي بشامات مرسومة بالفحم، وبما أن الأمير كان يحب ذلك التحول فقد أغدق عليّ صداقته».

لكن ميول الأمير تحولت بعد ذلك إلى صديق جديد هو آرمان دو جرامون، الملقب بكونت جيش، الذي سرعان ما أصبح المقرب منه. وكان أرمان يكبر الأمير بثلاث سنوات. ثم تعرف الأمير على فارس وسيم من منطقة اللورين، شرق البلاد، وظل على علاقة معه استمرت لثلاثين سنة.

رغم حياته المضطربة تزوج الأمير فيليب مرتين رغماً عنه

المصير الغريب للأمير فيليب شقيق ملك فرنسا
الأمير فيليب

كانت زيجات مفروضة عليه. وقد رزق بستة أبناء من زوجتيه. الزوجة الأولى هي الأميرة الإنجليزية هنرييت التي توفيت فجأة، والثانية هي النبيلة إليزابيت شارلوت التي كانت تلقب بالأميرة بالاتين.

كان منظر الثنائي لافتاً للنظر حين يخرجان معاً. فالزوج يتعطر ويضع المساحيق ويرتدي الثياب الزاهية والزوجة ذات كتفين مربعين، أقل استعراضاً وأنوثة من شريك حياتها. وقد تندر العامة عليهما بالقول إنه «تحالف بين اليعسوب والخنزير البري». كان التناقض بين الزوجين مذهلاً، لكنهما تصادقا مع بعضهما البعض وأنجبا ثلاثة أطفال.

ومن المثير للعجب أن ذلك الأمير المخنث رغماً عنه كشف عن محارب لا يشق له غبار. ففي معركة «كاسيل» التي جرت في شمال المملكة عام 1677، أبدى فيليب ورجاله شجاعة كبيرة وقدرة على المناورة، وكان صديقه الفارس يحارب بجواره.

وقد حققا النصر على جايوم دورانج، عدو فرنسا الأول. وبخلاف ما كان يحصل في المعارك، منع فيليب عمليات النهب وأرسل أطباء وأغذية لعلاج وإطعام الجرحى من الطرفين.
ثم حصل ما كانت الملكة الوالدة تخشاه منذ البداية.

المصير الغريب للأمير فيليب شقيق ملك فرنسا
ولي العهد لويس وشقيقه فيليب

سطع نجم الأمير فيليب وراح الباريسيون يطالبون بمزيد من السلطات له. بدأ شقيقه الأكبر يشعر بالغيرة منه، وسارع إلى استبعاده من الحقل السياسي. وكانت النتيجة أن فيليب تحول إلى كائن خمول وطبع يتمحور حول الذات، وهي أمور سهلت على منتقديه السخرية منه وتصويره بشكل كاريكاتيري.

لقد عاش حياته كلها في ظل شقيقه الملك الشهير لويس الرابع عشر، الذي شجع الفنون وأغدق على الرسامين والموسيقيين. لكنه لم يكن أقل منه مواهب، فقد امتلك حساسية للفنون، لاسيما المسرح، وفي حين كان الملك يهوى رحلات الصيد فإن أخاه أحب الحفلات الراقصة. وتقول زوجته الأميرة بالاتين إنه كان يجيد الرقص لكنه يرقص مثل النساء، وكانت أحذيته ذوات الكعوب العالية تمنعه من التحرك في الحلبة.

استمرت العلاقة متوترة بين الشقيقين حتى النهاية. وفي عام 1701 مات فيليب في قصره بمنطقة «سان كلو» عن 60 عاماً. كان قد أصيب بنزيف في المخ بعد مشاجرة عنيفة مع شقيقه الملك.

واستمر أبناؤه يشكلون قلقاً لسلالة الملك وخشية من بلوغهم الحكم، وهو ما لم يحصل لغاية 1830 حين جلس أحد أحفاده على العرش.

 

مقالات ذات صلة