1 يونيو 2022

من هي رئيسة وزراء فرنسا؟

كاتبة صحافية

كاتبة صحافية

من هي رئيسة وزراء فرنسا؟
إليزابيت بورن، رئيسة الوزراء الفرنسية الجديدة

الرجل كلمة. والمرأة أيضاً. ومن الكلمات الجميلة التي قالتها إليزابيت بورن، رئيسة الوزراء الفرنسية الجديدة، هي أنها تهدي تعيينها إلى أصغر فتيات البلاد سناً، داعية إياهن إلى المضي قدماً لتحقيق أقصى مطامحهن وأحلامهن.

فمن هي هذه الستينية التي تصبح ثاني امرأة في تاريخ البلد تقود الحكومة؟

من هي رئيسة وزراء فرنسا؟

قوامها ضئيل وابتسامتها خجولة وصوتها خافت وشعرها قصير، لم تحاول إخفاء الخصلات البيض التي تسللت إليه.

إن إليزابيت بورن تشبه مديرة مدرسة متقاعدة وجدة راضية بنصيبها من الأحفاد. إن صورتها بعيدة عن ملامح الباريسية التي تسعى وراء الموضة والتي تستخدم أحدث مستحضرات التجميل.

لكن الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون وجد فيها المرأة التي تمثل صورة فرنسا المعاصرة والقادرة على قيادة الوزارة في ظل أزمتين طاحنتين: «كورونا» وأوكرانيا.

الأنثى والمنصب في فرنسا

من هي رئيسة وزراء فرنسا؟

مضت ثلاثون عاماً منذ أن عرفت فرنسا تعيين أول امرأة في منصب رئاسة الوزارة. كان ذلك في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران الذي اختار إديت كريسون في قرار ما زال موضع جدل.

هل نضع المرأة في المنصب السامي لكفاءتها أو لمجرد أنها أنثى وللتعبير عن المساواة بين الجنسين؟ وإذا كانت كريسون أصغر سناً في وقت تعيينها وأقل خبرة فإن إليزابيت بورن كانت وزيرة ثلاث مرات، للمواصلات ثم للبيئة وأخيراً وزيرة للعمل خلال السنوات الخمس الماضية. إن لها باعاً في العمل العام ولم تأت من خارج حلقة الحكم. إنها تتمتع ببراعة أكيدة في المسلك الوظيفي، درست في معهد «البوليتكنيك» الراقي وحصلت على شهادة هندسية، إنه معهد عال يجمع بين التربيتين العسكرية والعلمية ويرتدي خريجوه بدلة تشبه بزة الضابط.

نبذة عن حياة إليزابيت بورن رئيسة وزراء فرنسا

من هي رئيسة وزراء فرنسا؟

ولدت إليزابيت بورن في الدائرة 15 من باريس ذات يوم ربيعي من عام 1961. والدها هو جوزيف بورن، ولقبه الأصلي بورنشتاين، يهودي من أصل بولوني لجأ إلى فرنسا أواخر ثلاثينات القرن الماضي هرباً من الاضطهاد. وعندما قامت الحرب العالمية الثانية انخرط في مقاومة الاحتلال الألماني لفرنسا، وقد جرى نقله إلى معسكرات الموت النازية لكنه نجا وعاد سالماً، وفي عام 1950 نال الجنسية الفرنسية.

أما والدتها ففرنسية تدعى مرجريت لوسين، وكانت صيدلانية من مقاطعة كلفادوس، ساعدها والدها في إدارة مختبر للعقاقير لكن الأب توفي والبنت في سن الحادية عشرة، الأمر الذي جعلها تعتبر من أولئك الأيتام الذين يطلق عليهم «أطفال الأمة»، وهو ما سمح لها بالحصول على منحة دراسية.

إن الدخول إلى معهد «البوليتكنيك» أشبه باقتحام قلعة حصينة، ولابد من الاستعداد لامتحان القبول بالسهر والدراسة ومراجعة كتب تتعلق بكل المعارف والتقنيات. وهكذا تخرجت وهي تحمل شهادة في هندسة الطرق والجسور، وكذلك في إدارة الغابات ومصادر المياه.

هل كرست الطالبة المجتهدة حياتها للدراسة والعمل فحسب ونسيت شؤون القلب؟

من هي رئيسة وزراء فرنسا؟

في عام 1989 اقترنت إليزابيت بورن بأستاذ جامعي هو أوليفييه أليكس، وأثمر الزواج طفلاً دعي ناتان. لكن الزوجين انفصلا، ومن الصعب العثور على صورة لها مع زوجها السابق أو ولدها. لم يكن من السهل عليها أن تجمع رمانتين كبيرتين في كف واحدة.

ويبدو أنه قدر المرأة التي تمتلك طموحاً في بلوغ المراكز المهنية العليا. فهذه الفرنسية العنيدة نجحت في مجال يحتكره تقليدياً الرجال. وإلى جانب تخصصها العلمي عرفت كيف تستثمر شهرتها الوظيفية لتخوض ميدان العمل السياسي. هذا عدا عن أنها تعرف بخبرتها كل قضايا الملفات الاجتماعية والبيئية.

إن تجربتها في مجال البيئة هي ما فتح لها بوابات الاقتراب من الوسط السياسي. فقد أصبحت رئيسة لمكتب وزيرة البيئة السابقة سيجولين روايال بين سنتي 2014 و2015. كما عملت لدى رئيس الوزراء ليونيل جوسبان خلال التسعينات، وهو قادها إلى كرسي الوزارة لتتولى حقيبة الانتقال البيئي.

لكن تقلد الحقائب الوزارية شيء وقيادة الحكومة والوزراء أجمع شيئاً آخر. ولعل أهم صفة تمتلكها بورن هي أنها ماكينة شغل.

«جحيم ماتينيون»

من هي رئيسة وزراء فرنسا؟

يقع مقر رئاسة الوزارة في قصر تاريخي يطلق عليه الفرنسيون اسم «أوتيل ماتينيون». لكن هناك من يسميه «جحيم ماتينيون». فالأنظار كلها تتجه نحو حاكم القصر، والمعارضة تترصد أخطاءه وتكمن له كالسكين في الخاصرة، والمشكلات الكثيرة تتربص به، والشعب الفرنسي متطلب ولا يعجبه العجب، وهي كلها أمور تدركها بورن وعليها أن تتحصن بجلد فيل لكي تخوض المعارك.

ولكن إلى أي ضفة سياسية تميل، أي هل هي من أهل اليمين أم اليسار؟

إنه السؤال الذي يطرح عادة عند رسم الملامح العامة للسياسيين. والجواب هو أن الرئيسة الجديدة للوزارة محسوبة على اليسار، لكن هذه السيدة التي اشتهرت بالتكتم والعمل الدؤوب قادرة أيضاً على المضي في الإصلاحات التي قررها الرئيس المنحاز لليمين، من ذلك إصلاح المؤسسة الوطنية للسكك الحديد. فقد فتحت المجال أمام المنافسة في مجال نقل المسافرين، إلى درجة أن رئيس الأغلبية البرلمانية كان يلقبها «وزيرة الإصلاحات المستحيلة التي أصبحت ممكنة». كما أنها باشرت في وزارة العمل تعديل قانون التقاعد، وهو لوحده قضية كبيرة تحتاج لشخصية صلبة تتحمل الهجوم والانتقاد.

من هي رئيسة وزراء فرنسا؟
لحظة مغادرة رئيس الوزراء السابق كاستيكس بعد تسليم مهام منصبه الى رئيسة الحكومة الجديدة اليزابيث بورن

من الطبيعي ألا يكون العاملون في السياسة ومراكز القرار من صنف الملائكة. فالحياة قد عركتهم وأكسبتهم صلابة وقسوة. ويقول موظف سبق له العمل تحت إمرة إليزابيت بورن «لابد لمن يشتغل معها أن يحب تلقي التأنيب». وتقول موظفة اشتغلت معها لعدة سنوات «كانت منفتحة على الحوار وتبادل الرأي ولم تكن تتصلب برأيها. ويجب الاعتراف أنها نجحت في إنجاز عمليات إصلاح معقدة».

وعندما اختيرت لرئاسة الوزارة فإن الخبر لم يكن مفاجئاً، فإليزابيت بورن تلميذة نجيبة لما تطلق عليه وسائل الإعلام «الماكرونية»، أي مدرسة ماكرون في السياسة. فالرئيس الشاب، نسبياً، من أشد أنصار المرأة، وقد كان من المتوقع تعيين امرأة في هذا المنصب.

من هي رئيسة وزراء فرنسا؟

وقد طرحت عدة أسماء لكن اسم بورن كان الأقوى والأكثر جدارة. فقبل أكثر من ثلاثين سنة، حين جرى تعيين إديت كريسون كرئيسة للوزراء، قال المعلقون إنها تحتاج لشجاعة بالغة لكي تمارس ذلك الدور. أما في حال بورن، فإنها لا تفتقد للشجاعة مطلقاً.

 

مقالات ذات صلة