13 نوفمبر 2023

هل سيأتي يوم تزرع في عقولنا ذكريات زائفة؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

هل سيأتي يوم تزرع في عقولنا ذكريات زائفة؟

هل رأيتم يوماً فيلاً يطير فوق الماء؟ كلا على الأرجح. لكن قد يأتي يوم، ربما، يكون فيه من الممكن زرع ذكرى لم تعيشوها في عقولكم، لأن علماء الأعصاب نجحوا في القيام بذلك لدى الفئران.

ثمة أشخاص مصابون بمرض الكذب الدائم، والمقصود إلى درجة أنهم يصدّقون أكاذيبهم، ويُقنعون بها من حولهم! ولكن هل حقاً ذكرياتهم زائفة؟ وماذا عن ذاك شاهد العيان لجريمة متأكد ممّا رآه، في حين أن كل الدلائل تكذّب ما يقوله، فهل هو كاذب؟

هل سيأتي يوم تزرع في عقولنا ذكريات زائفة؟

يمتلك الإنسان مجموعة من التمثلات الذهنية تقوم بواسطة آلية متعددة، سواء أكانت واعية أم لاواعية، ومنها عودة الذكريات، الحلم والخيال. هل يمكن تعديل هذه التمثلات الداخلية عن طريق تحفيز خارجي؟ هذا ما قام بدراسته ستيف راميرز، وزملاؤه، من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في كمبريدج وتمكنوا من خلق ذكريات زائفة في عقول الفئران.

لدى الحيوانات اللّبونة، يعتبر الحصين في الدماغ مركز الذاكرة، لا سيما الذكريات المشهدية، أي ربط السياق بحادثة ما. وإذا ما أصيبت هذه المنطقة بضرر، فإن بعض الذكريات فيها قد تزول. واستخدم ستيف راميرز، وزملاؤه، نموذج ذاكرة مشهدية عند الفأرة ليصنعوا لها ذكريات متصلة بعملية إشراطية نفورية. وهذا يعني أنهم وضعوا الفأرة في مكان معيّن تتلقى فيه صدمة كهربائية طفيفة في قوائمها، بحيث إنها تُظهر ردّات فعل الخوف كلما وجدت نفسها في المكان ذاته بعدئذ، فهي تتذكر، بالتالي، التجربة السلبية التي عاشتها في ذلك المكان.

كما تمكّن العلماء من التعرف إلى خلايا حبيبية في منطقة من الحصين في الدماغ، تنشط حينما تكون الفأرة في مكان معيّن فقط. وبواسطة تقنية تعديل العصبونات جينياً، حتى تنشط بواسطة الضوء، صار باستطاعتهم تحفيز الخلايا الحبيبية الخاصة بالسياق المطلوب.

وهكذا وضع راميرز وزملاؤه، الفأرة في بيئة «أ»، حيث لا تتلقى صدمات كهربائية، وتعرّفوا إلى الخلايا الحبيبية المرتبطة بذكرى هذا المكان. وفي اليوم التالي، درّبوا الفأرة حتى تخاف في بيئة «ب»، وكانوا ينشّطون في الوقت ذاته بواسطة الضوء، الخلايا الحبيبية المتصلة بذكرى البيئة «أ». وإذ بالفأرة التي من المفترض بها ألا تخاف إلا من البيئة «ب»، تبدي كذلك خوفاً من البيئة «أ». وحين وضعت في البيئة «ج»، لم تظهر عليها أية ردة فعل، ما يعني أن ردة فعلها متصلة بالبيئة «أ»، ما يؤكد أن الذكرى الزائفة صارت في المحل المطلوب لها أن تصير فيه.

باختصار، زرع علماء الأعصاب ذكرى زائفة في حصين الفأرة. وحين نشّطوا الخلايا الحبيبية المرتبطة بالبيئة «أ»، وهم يدرّبون على الخوف في البيئة «ب»، زرعوا بشكل اصطناعي ذكرى تجربة سلبية في البيئة «أ». فهل يمكن أن نمحو صدمة حين نستبدل بذكرى البيئة التي أصابنا الخوف فيها، كسيارة خلال حادث خطر، مكاناً آخر لن يتسنى لنا أن نزوره، أو نكون فيه في حياتنا؟ كلا على الأرجح، فقد أدرك العلماء في هذه التجربة أن الذكريات الزائفة، وتلك الحقيقية، تتقاطع، وتنشط مناطق دماغية متشابهة، كاللوزة الدماغية، المعنية بسلوكات الخوف. لكنها المرة الأولى التي نفهم فيها بعضاً من الآليات الذهنية المتصلة بالذكريات الزائفة.

إقرأ أيضاً: د. هدى محيو تكتب: هل سيُلغي الذكاء الاصطناعي فائدة العلم في المدارس؟

 

مقالات ذات صلة