«قضيت طفولة بائسة، عشت حياتي طولاً وعرضاً، حياة الفقر التي عشتها حولتني إلى شيطان يسير على الأرض لديه الاستعداد لفعل أي شيء، مقابل تجميع ثروة تنقلني من حال إلى حال، لذلك اتجهت لعالم الإجرام من أوسع الأبواب، وبعد تفكير عميق وقع اختياري على ممارسة الدجل والشعوذة والنصب، باسم «العلاج الروحاني وفك المربوط وعلاج السحر»، حيث إن هذه الطريقة هي الأمثل، والأكثر أماناً للبعد عن عيون رجال الشرطة والملاحقات الأمنية، خصوصاً أن كل زبائني يدفعون من دون ضغوط».. كانت هذه الكلمات ملخّص ما قاله المتهم عقب سقوطه في قبضة رجال الشرطة، لكن الرحلة بين البداية والسقوط مملوءة بالتفاصيل المثيرة.
بداية الدجال.. سرقة ونصب ثم سجن
لم تكن حياة المتهم هادئة من بدايتها، نشأ في كنف أسرة فقيرة جداً، تعيش على أطراف العاصمة، وتتحصل على رزقها يوماً بيوم، كان مجبراً أن يعيش مثل أسرته في رحلة البحث عن عمل حتى يتمكن من البقاء على قيد الحياة، لكن استمرار الحال بهذه الطريقة كان يراه ضرباً من المستحيلات، ما دفعه للالتفاف حول أصدقاء السوء الذين تشابهت أحلامهم معاً. بدأت القصة بالقيام ببعض عمليات السرقة والنصب، ثم تطورت إلى قطع الطريق على بعض المارة والسرقة بالإكراه، إلى أن سقط في إحدى العمليات الإجرامية في قبضة رجال الشرطة، وتمت إحالته للنيابة العامة، ثم المحكمة، حيث صدر ضده حكم قضائي قضى بحبسه لمدة عامين. لم يحتمل والده هذا الخبر الحزين، ومن هول الصدمة أصيب بالمرض الشديد، ثم فارق الحياة بعدما شعر بأن سمعته، وسمعة أسرته، أصبحت على المحك بسبب انفلات نجله.
تغيير النشاط الإجرامي طمعاً بالمال
انتهت مدة عقوبة المتهم، وبعد خروجه من السجن، كان كل شيء تغيّر تماماً. تبرّأت منه أسرته، ومات والده حزناً وكمداً، وافتقد الدفء العائلي، وأصبح في الشارع بسبب تهوره وتجاوزاته. فقرّر الهروب من دون عودة، وتفرّق أفراد الأسرة جميعاً، كل منهم مضى في طريقة، وقرر المتهم الزحف إلى قلب العاصمة، وعمل في مهن مختلفة كانت بالكاد تكفيه، لكن خلال هذه الفترة كان تفكيره كله ينصب حول ضربة العمر التي ستنقله من حال إلى حال، كان يريد الحصول علي أي مال، وبأي طريقة، حتى لو كانت غير مشروعة، فالهوس بالمال جعله على استعداد لفعل أي شيء من أجل حفنة من المال.
سحر وشعوذة لتعويض سنوات السجن
لم تشفع سنوات السجن، والليالي الطويلة في أن تغيّر من تفكير المتهم، أو تجعله يفضل التوبة، وإنما على العكس تماماً، سخّر كل وقته خلف أسوار السجن للتفكير في حيلة وطريقة جديدة لكسب المال. استغل سنوات السجن في القراءة، والاطلاع على عالم ما وراء الطبيعة والعلاج الروحاني، ويبدو إنه كان يخطط لأمر جلل سيغير حياته من حال إلى حال، كان قراره الأخير هو امتهان الدجل والشعوذة. كان يظن أن هذا الأمر هو الحل السحري والسريع لتعويض السنوات الضائعة خلف أسوار السجن. بوعد انقضاء مدة العقوبة غادر السجن وبرفقته الشيطان، كان يعلم أن عيون رجال المباحث تراقبه، وتلاحقه، وتعدّ عليه أنفاسه، ما دفعه لاختيار مكان بعيد عن الأنظار على أطراف العاصمة، ليكون مستقراً له، واعتمد «الدجال» على بعض أصدقاء السوء والمعارف، لكي يعلن عن نفسه وعن قدراته غير المحدودة.
عصابة لخداع الباحثين عن «الرقية الشرعية»
كوّن تشكيلاً عصابيّاً تزعّمه بنفسه، صنع من نفسه إمبراطورية متكاملة، واختار العناصر الفاعلة، ووزع الأدوار. كانت بداية النهاية عندما شرع في إنشاء صفحات للدعاية عن نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي، ونجح في خداع الجميع.. كانت البداية عن طريق التحايل على الزبائن بالرقية الشرعية حتى نجح في جذب ضحاياه، وسرعان ما تجاوب العشرات معه، الذين اتجهوا إلى منزل «الشيخ» مدفوعين بمشاكلهم، ورغباتهم في تحقيق الكثير من الأحلام التي فشلوا في تحقيقها في واقعهم. كان اختيار المكان مرتباً بدقة، وعناية شديدة، كانت ملابسه تضفي عليه نوعاً من الوقار والرهبة، وأمامه أدوات الشغل «عدة النصب»، من البخور والنار، كل الأجواء المحيطة بالمكان والغرفة، وحتى المساعدون للدجال الوهمي، كانت تُثير الرهبة في قلوب الزبائن، ما يساهم في تصديقهم حِيله المختلفة. عاش في ثوب الواعظ والمعالج الروحاني، من دون أن يسقط في قبضة رجال المباحث، لكن الصدفة قادته إلى المصير المجهول.
شرطة «الإنترنت» بالمرصاد
بدأت حياته تختلف رويداً رويداً، حيث بدأت الأموال تجري في يده، ارتدى أفخم الملابس، واكتسب شهرة كبيرة، لكن هذه الشهرة كانت سلاحاً ذا حدّين، فمن جهة عملية أصبح له زبائنه الذين يتردّدون عليه بشكل مباشر، لكن من جهة أخرى، كانت شهرته على وسائل التواصل الاجتماعي وبالاً عليه، حيث ذاع صيته، ما ساهم في سقوطه في قبضة رجال العدالة بشكل أسرع. ويوماً بعد آخر، أصبحت طموحاته تزداد، وتكبر أمام ناظريه، بنى لنفسه قصوراً في الهواء، ودّع حياة الفقر، لكن المكسب السريع الذي حققه جعله ينسى أنه ربما يكون مراقباً من قبل رجال الأمن، حيث وصلت المعلومات إلى رجال مباحث شرطة «الإنترنت»، تفيد بقيام شخص باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي للإيقاع بضحاياه من الباحثين عن وهم تحقيق الأمنيات، والعلاج الروحاني، وحقق شهرة في هذا المجال.
ليلة القبض على الدجال النصاب
بدأ فاصل من إعادة التحريات المكثفة التي أكدت صدق المعلومات الواردة لرجال المباحث، حيث تم تسيير مأمورية أمنية قامت بالقبض على «الدجال النصاب»، وسط دهشة جيرانه وزبائنه الأثرياء، وبتفتيش منزله عُثر على العديد من المفاجآت، منها صور عدد من المشاهير، وبعض الكتب التراثية القديمة، وبعض الكتب التي لها علاقة بعالم الجن والعفاريت، و«العالم السفلي».
تم تحرير محضر بالواقعة، وإحالة المتهم للنيابة العامة التي أمرت بحبسه، على ذمة التحقيقات الجارية معه، لحين استدعاء بعض زبائنه للاستماع إلى أقوالهم. وطالبت النيابة العامة بسرعة تحريات رجال مباحث الأموال العامة لتتبّع مصادر ثروته. كما تبيّن من خلال الفحص أن المتهم له سجل جنائي، وسبق حبسه في أعمال سرقة ونصب.
* القاهرة: كريم سليمان
اقرأ أيضاً: خريج تجارة ينتحل صفة طبيب تغذية وسمنة.. وغلطة واحدة كشفته