وصلت العلاقة بينها وبين والدتها إلى طريق مسدود.
رغم عمرها الثلاثيني وزواجها، إلا أن الابنة ما تزال تعيش فصول الحكاية بجراحها ويومياتها المشوبة بالوجع وتبحث عن حل لما تسميه «مأساة» مع أم يغلب حبها للمال على أبنائها.
هذه الحالة تجد لها حالات شبيهة في مجتمعنا، إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى الظاهرة وتنحصر في سياق الحالات الفردية ولكن بعضها وصل إلى أبواب المحاكم أو إلى القطيعة والجفاء.
"ثمة حدوداً لحقوق الآباء على الأبناء وبالعكس"
تؤكد سهير عليان، المستشارة الأسرية، أن للأم مكانة لا نستطيع تجاوزها وفق تقاليد الدين والمجتمع «تبدأ المشكلة عندما تكون الأم متسلطة حيث تعتبر الأبناء «ملكاً خاصاً لها» وقد يكون ذلك نتاج تنشئة أسرية للأم يكون فيها الأب سلبياً والأم هي المسيطرة في البيت لتعكس البيئة التي عاشتها أو قد تكون مطلقة وتحملت مسؤولية الأبناء وتعتبر أن التدخل في قراراتهم أو تقاضي أموال منهم من حقوقها، كما هناك أم تتكفل بأعباء أبنائها والأب يكون الحاضر - الغائب وبالتالي، تعتبر الأبناء ملكية خاصة لها».
في بعض حالات، تعاني الأم من الفقر والحرمان وتجد أن لها الحق في المال الذي يجنيه الأبناء من عملهم. وإذ تختلف شخصيات الأبناء بين مستقلين وأبناء يتقبلون سيطرة الأم، تشدد عليان على أن «ثمة حدوداً لحقوق الآباء على الأبناء وبالعكس. فالفكرة السائدة أن الابن هو ملك للأهل استناداً لدورهم في تربيته وتنشئته وهناك حدود يحب الالتزام بها وكلما طعن الأهل في السن، لا بد أن يشعروا بالاحترام والتقدير ودورهم في حياة الابن».
وفي حالة السيدة صاحبة القصة، تجد المستشارة الأسرية أهمية النقاش بهدوء بين البنت والأم، فمهمة الأبناء في هذه الحالة دراسة شخصية والدتهم واستثمار تلك الدراسة في تعزيز علاقتهم بوالدتهم واستشراف كيفية التعامل معها.
يزودنا الدكتور عصام علوان، خبير استراتيجيات اجتماعية، بآليات لإدارة بعض الأمور غير المرغوب بها في علاقة الأم وابنتها:
- احتسبي الأجر في كل كلمة وموقف واحسني إليها. فما عند الله خير وأبقى والبر لا يبلى. (يبرر هذه النصيحة بما تكون قد عانته الأم في طفولتها وشبابها وانعكس على تصرفاتها بلا وعي منها).
- حل هذه المشكلة في كلمة واحدة ألا وهي «الاتفاق» ومحاولة معرفة أسباب القهر الممارس عليه.
- تعلمي تلك العبارة وقومي بتكرارها دائماً «أنا أحبك كثيراً، ولكني لا أريد مناقشة هذا الأمر معك».
- فكري في كتابة خطاب إلى أمك لتوضيح شكل علاقتكما والجوانب التي ترغبين أن تزول.
- اشكري والدتك على اقتراحاتها في كيفية عيش حياتك، ثم انتقلي إلى الحوار الأكثر توضيحاً وفهماً لموقفك.
- الثقة بنفسك تفشل محاولات سيطرة أمك.
- حاولي عدم التحدث إليها ليوم واحد، فالأم تشتاق لضم أولادها والتحدث إليهم.
- الامتناع عن الشعور بالذنب الذي تقوم أمك بزرعه داخلك.
ويراعي د.علوان ألا تتحول تلك النصائح إلى وسائل للقهر والتسلط دون أدنى سبب مقنع:
- إذا أصرت أمك على تخطي ما بينكما من حواجز، فيمكنك هنا التماس العلاج الأسري.
- لا تسمحي لوالدتك وتصرفاتها أن تكون محور فلكك بل عيشي حياتك وحققي أهدافك كما تخططين.
- إن كانت تصرفاتها تسبب لك ضرراً، فيجب إيقافها كأن تقولي لها بهدوء وأدب إنك لن تنفذي طلبها مع ذكر التبرير.
- قللي قدر المستطاع من الخوض معها بأمور شخصية.
- تجنبي فعل الأشياء التي لا تحبها أو تثيرها والتي لا تصنع لديك فارقاً.
- تخيري وقت صفائها لمحاورتها بأسلوب لطيف حول هواجسك.
- أرسلي لها رسائل معنوية أن الحب هو المفتاح لكي تحب وتحب.
- استعيني بالله وأكثري من الاستغفار والذكر، ما يمنحك راحة وصفاء نفسيين.
ويوجز د.علوان «أمك بكل ما بها من عيوب ستظل أمك، وستظلين قرة عينها ولا تستطيع قوة في العالم أن تفصلكما عن بعض، فهي سبب دخولك الجنة، فالزمي قدميها وتجاوزي عن أخطائها».
قسوة الأم على ابنتها ابتلاء
يؤكد الدكتور سالم بن أرحمه الشويهي، رجل دين، أن«ﷲ سبحانه وتعالى قضى وأمر ببر الوالدين ونهى عن العقوق ولو بالتأفف وهي أدنى كلمة تدل على التضجر والاستثقال». قال ﷲ تعالى:﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً﴾.
يشرح:«فالبر واجب ولو كان الأب مشركاً أو الأم كافرة».
فمن بر والديه بره أبناؤه، ومن عقهما عقه أولاده «فالعقوق مما يعجل عقوبته في الدنيا».
وأما شدة الأم وقسوتها مع ابنتها، هذا من الابتلاء ويجب أن تصبر عليه لتنال عظيم والثواب، فقد قال النبي علية الصلاة والسلام «ففيهما فجاهد».
ومعنى ذلك أن بر الوالدين عمل يحتاج منا إلى صبر وخلق كريم في مقابلة بعض السفاهة والجهالة والظلم أحياناً من قبلهما، وكما قال النبي صلى اللة عليه وسلم:«حفت الجنة بالمكاره» فالأجر على قدر النصب والصبر على المكاره؛ طريق إلى الجنة.
يوجه النصح لصاحبة الحالة «فأد الحق الذي لأمك عليك بالمعروف واسألي الله أن يهديها ويلطف قلبها عليك».