من آثار «كورونا» في حياة الأطفال هي أنها أبعدتهم عن أصدقائهم خلال فترات الحجر وانقطاع المدرسة وإقفال الحضانات، فهل سيكون لهذا الابتعاد تأثير طويل المدى في صداقاتهم وما هي أهمية الصداقة بالنسبة إلى الطفل وبالأخص في سن مبكرة؟
إذا ما سألت طفلاً لماذا يعتبر طفلاً آخر رفيقاً أو صديقاً له ستحصل على جواب بسيط جدًا على شاكلة «أحب اللعب معه» أو «هو يعيرني ألعابه»... فهو لن يفهم لماذا تريد أن تعرف أو أنه لن يكون قادراً على وضع كلمات على ما يفهمه أو يحس به لأن الصداقة تدخل في حيّز عالمه الخاص الذي لم يتمكن من بلورته بعد.
لكن من خلال ملاحظتنا للأطفال، ندرك أن الصداقة مهمة جداً بالنسبة إليهم، فالأطفال وحتى الصغار منهم، يختارون الرفيق ذاته للعب ويتعاطفون معه إن شعر بالحزن كما يشعرون بالخيبة إن كان غائباً عن الحضانة أو عن روضة الأطفال. وقد أشار علماء النفس، في دراسات عدة، إلى أن صغار الأطفال يشكلون روابط وثيقة مع بعض من يختارونهم من رفاق اللعب ليثرثروا معهم ويتبادلوا الطرف والأقاويل والمساعدة وليمارسوا الألعاب الخيالية التي يستكشفون فيها مخاوفهم ويعبرون عما يؤرقهم.
يتعلم الطفل في هذه العلاقات الاجتماعية الأولى كيف يهتم بمشاعر شخص آخر وكيف يتعرف إلى حاجته الخاصة بإقامة علاقة وثيقة تتخطى علاقته بأمه. ومع تقدمه في السن يصير أكثر قدرة على التعبير عن أهمية أصدقائه بالنسبة إليه ويطور قدرته على إقامة علاقات مع مجموعات أوسع من الأطفال، علماً أن صديقه المقرّب إلى قلبه يبقى الأكثر أهمية لأنه مصدر الدعم النفسي القوي له.
لذا فإن الصداقة المبكرة، إضافة إلى العلاقة المجزية مع الأهل، تساعد الطفل على شق طريقه في هذه التنشئة الاجتماعية الطويلة. فهو كمن يقول في نفسه من دون أن يدري «إذا كنت لطيفاً سيتعاطى الآخرون معي بهذه الطريقة، وإذا كنت حزينًا سيساعدني الآخرون على تخطي حزني، ثم سأساعد الآخرين بدوري».
ونظراً إلى أهمية الصديق بالنسبة إلى الطفل، يكون من المستحب أن يتمكن الطفل من البقاء على اتصال به ولو عن بعد عبر مختلف الوسائل التي توفرها التكنولوجيا لنا هذه الأيام. فالوباء الذي نعيشه قد بعثر الأصدقاء، وهذا يصح أيضاً على الصداقات بين الكبار التي ستظل قوية لأنها مبنية على تاريخ طويل مشترك، لكن نخطئ إن ظننا أن الصداقات بين الأطفال هشة لمجرد أنهم لا يستطيعون التعبير عن أهميتها بالنسبة إليهم.