من أخطر المشكلات التي برزت خلال فترات الحجر المنزلية المتكررة هي تسجيل أرقام قياسية من حالات العنف المنزلي، من ضرب للنساء واعتداءات جسدية وحتى حالات قتل.
من المؤكد أن كل هذه الحالات المصرّح عنها وتلك غير المصرّح عنها هي من اختصاص القيّمين على القانون وعلى حماية سلامة الأفراد، سواء أكانوا رجالاً أم نساءً، لكن يحق لنا التساؤل إن كان من الممكن استباق أو معالجة نزعات العنف قبل أن تتفاقم، أو ما يمكن تسميته بنزعات «الذكورة المفرطة».
إن رجعنا إلى الطبيعة، بإمكاننا القول إن لا شيء فيها يستدعي الحكم الأخلاقي، بالقول هذا جيد أو هذا سيئ. فاللبوة حيوان شرس وهي تشكل خطرًا على الغزلان، لكن شراستها هي عامل مطمئن لصغارها.
وكذلك الأمر بالنسبة للرجل المفتول العضلات، سيكون أمرًا فظيعًا إن اعتدى على أحدهم، لكنه سيكون عاملاً مطمئنًا إن كان برفقتك وأنت عائد ليلاً إلى منزلك.
العضلات قادرة على حماية الضعفاء أو الضعيفات، لكن يجب أن يتمتع صاحبها بالقوة المعنوية حتى يتجنب استعمالها في المكان غير المناسب أو حتى يتجنب الخروج عن طوره. وهذا ما تعلمه بالتحديد الفنون القتالية، من جودو وكاراتيه وما شابه، حيث يتعلم التلميذ السيطرة على النفس بالقدر ذاته الذي يتعلم فيه تقنيات القتال. وما من معلّم جدير بهذا الاسم سيعلم الحركات القاتلة ما لم يتأكد أن تلميذه يمتلك تمامًا القدرة الكاملة على السيطرة على نفسه.
أما لدى الحيوانات الرئيسة، كالشمبانزي والغوريللا، وهي تعيش في مجتمعات شديدة التراتبية، فإن «الذكر المسيطر» ليس الذكر الأشد عنفًا أو الأقوى بَدَنًا، بل هو الذي يتمتع بقوة بدنية بالإضافة إلى مقدرة عالية على الاهتمام بكل فرد من أفراد المجموعة، بمن فيهم الأضعف والأكثر هشاشة. في حين أن الذكر الذي يستخدم قوته للاستحصال على كل الطعام وعلى جميع الإناث فهو سيرى الجميع ينقلبون ضده وبسرعة قصوى.
وبالعودة إلى الإنسان، يمكن القول إن ثمة شراسة وعدائية كامنة لدى كل امرئ ومن المهم تعلُّم السيطرة عليها لأن الإنسان يتمتع كذلك بحس العدالة والخير وهذا ما يجعلنا نسعد حين يكون الجميع سعداء من حولنا.
لكن بعضنا بحاجة إلى إعادة إحياء هذا الحس الذي طمسته ربما سنوات من سوء المعاملة والإحباطات والظلم أو حتى العنف الذي عاناه. لذا فإن اللجوء إلى القانون لا يكفي، لأن القانون يتدخل بعد وقوع الواقعة، والمطلوب هو استباق وقوعها عبر إجراءات توعية وحسن توجيه وتقنين تلك العدائية والشراسة الكامنة.