مع حلول شهر رمضان المبارك يتساءل كثير من الآباء والأمهات حول إمكانية صيام الأطفال والعمر المناسب لذلك طبياً ونفسياً، خاصة عندما يتعلق الأمر بسنة أولى صيام للطفل.. حيث تكون هناك الكثير من الذكريات الممتعة للوالدين.. ذكريات لا يمحوها الزمن مرتبطة بفضيلة محببة للنفس وخطوة أولى نحو التقرب إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام المباركة وتثبيت أقدام الصغير على بداية درجات سلم الاستمتاع بأداء الفريضة.
ناقشت «كل الأسرة» تجربة صيام الأطفال للمرة الأولى مع عدد من خبراء الطب النفسي والطفولة وسألتهم: كيف نجعل الصيام فرضاً في حياة الطفل بالحب والحنان لا بالقسوة والإجبار؟
الصيام المتدرج أفضل أسلوب للتعامل مع الأطفال
في البداية، يوضح الخبير التربوي محمد حسين رضوان، المتخصص في نفسية الطفل، أنه يجب تهيئة الطفل نفسياً لصيام شهر رمضان المبارك بالحديث معه حول فوائد الصيام خصوصاً وأن الأطفال يميلون كثيراً لتقليد الكبار، لكن يجب في الوقت نفسه أن يراعي الآباء عدم الاستجابة للطفل في الصيام إذا ما كان هذا الأمر يضره كأن يكون الطفل دون السابعة من عمره أو يكون يوم الصيام حاراً ومشمساً وعدد ساعات الصيام طويلة أو يكون الطفل عنده امتحانات دراسية وهذا الأمر سيرهقه بدنياً.
ويقول «حتى علماء الشريعة اختلفوا في تحديد العمر المناسب لصيام الطفل، فالبعض يقول عند إتمام السابعة ويسترخي في منتصف النهار والبعض يصر على أن يبدأ الطفل في التعود على الصوم في سن العاشرة لضمان استيعابه للمسؤولية وإدراكه للأهمية الدينية للشهر الكريم.. لكن في كلتا الحالتين يجب أن يبدأ أبناؤنا التدرب على الصوم من خلال الاقتداء بالأب والأم والأقارب وأيضاً بعض المعلومات الدينية المبسطة التي تروى لهم أهمية الصوم وأهدافه».
ويشير استشاري نفسية الطفل إلى أنه يجب أن يحدث ذلك بأسلوب بسيط وبدون قسوة حتى يتقبل الطفل الموقف بروح راضية وضمير واع لحجم المسؤولية التي بدأ يتحملها أمام أسرته وأمام الله وكذلك أمام المجتمع حتى يصبح فرداً واعياً يحافظ على سلوكياته الدينية والاجتماعية.
ويلفت الدكتور محمد رضوان النظر إلى ضرورة أن تراعي الأسرة ألا تكلف الطفل بمجهود شاق أثناء الصيام وألا تجبره أيضاً على الاستيقاظ مبكراً حتى لا يتعب ويرهق من الصوم وإذا أصيب الطفل بأي مرض مثل سعال أو ارتفاع في درجة الحرارة أو إسهال يجب ألا يكمل الصوم ونشجعه على الإفطار واستغلال الرخصة المقررة لنا جميعاً.
لابد أن يتعلم الطفل معنى الصوم بالتشجيع و بدون استخدام العنف أو لغة التهديد
وتتفق معه الدكتورة شيماء إسماعيل، استشاري العلاقات النفسية والأسرية والاجتماعية بالقاهرة، وترى هي الأخرى أن كثيراً من الأطفال يرغبون في صوم رمضان مثل الكبار ولكن القرار يعتمد على سن الطفل وحالته الصحية والنفسية.
وتوضح «يجب على الأسرة التي لديها طفل يصوم لأول مرة أن تراقبه جيداً خلال صومه فإذا شعر الطفل بإرهاق واضح أو مرض أو عدم تحمل الصيام فيجب على ولي أمره أن يسارع بإفطاره.
ولابد أن يتناول الطفل وجبة السحور ويجب أن تكون وجبة مناسبة لتمده بالطاقة خلال ساعات الصيام ويكون هناك حرص من الأسرة على إمداد الطفل بالسوائل طوال فترة ما بعد الإفطار لتعويضه عن الجفاف الذي يحدث خلال ساعات الصيام».
وتشدد الدكتورة شيماء إسماعيل على أهمية التدرج في تدريب الطفل على الصوم، بمعنى بدء صيام الطفل ببضعة ساعات في بداية النهار أو العكس أن يصوم الطفل مثلاً من آذان العصر للمغرب والأكبر من الظهر حتى آذان المغرب ويستمتع بلذة وفرحة الإفطار الجماعي مع بقية الأسرة والدعاء قبله، كما أنه يتعود على الموعد الصحيح للإفطار أو أن تعود الأسرة الطفل أولاً الصيام عن الأكل وتسمح له بشرب الماء والسوائل.
كلها أفكار تعود الطفل على الصوم تدريجياً وتحببه فيه وتقلل من الآثار السلبية للصيام في سن مبكرة خاصة أن رمضان خلال هذه السنوات يأتي في فصل الصيف ويكون الطقس حاراً وعدد ساعات الصيام طويلة.
وترى استشارية الطب النفسي أنه لابد أن يتعلم الطفل معنى الصوم بالتشجيع بشكل إيجابي وعدم استخدام لغة العنف والتهديد معه لما في ذلك من آثار نفسية سلبية، أما في ليلة هلال شهر رمضان لابد أن تكون للأم معه طقوس خاصة ومهمة تعلمها لطفلها كأن تعلمه بعض الأدعية عن طريق تلاوتها أو أن تطلب منه ترديد هذه الأدعية وأن تقص عليه الأحاديث التي تدعو للصوم وأنه فرض على المسلمين حتى يشعروا بالمساكين والفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم.
وتنصح الدكتورة شيماء إسماعيل الأهل بتشجيع الأطفال على الصيام من خلال الآتي:
- تحديد مكافأة عن كل يوم يصومون فيه أو تعليق جدول في البيت يضم الثلاثين يوماً وهي أيام شهر رمضان المبارك
- تحفيز الطفل على الصيام بإعطائه نجمة أو علامة مميزة في الجدول أمام اليوم الذي قام بصيامه والثناء عليهم أمام الأسرة والأصدقاء، فمن شأن ذلك أن يرفع معنوياتهم.
عندما نبالغ في حرصنا على أن يصوم أطفالنا إلى المغرب في جميع أيام رمضان فإننا بذلك نربيهم على كره الصيام وكره رمضان
أما الدكتور محمد محمود حمودة، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين بكلية الطب جامعة الأزهر، فقد حذر الآباء والأمهات من معاقبة الطفل أو التشديد عليه في حالة إذا ما تم اكتشاف أنه مفطر وغير صائم، فهذا السلوك يتطلب هدوءاً وحكمة في مواجهة الطفل به لمعرفة أسبابه وعلاجه.
ويقول حمودة «عندما نبالغ في حرصنا على أن يصوم أطفالنا إلى المغرب في جميع أيام رمضان فإننا بذلك نربيهم على كره الصيام وكره رمضان كذلك ولا أفهم ما هو إصرار البعض على تعويد الطفل على الصيام في سن خمس وست سنوات رغم خطورة الصيام عليهم، كما أنه يكون خطراً على نفسيتهم لأنه يكون غير دارك لماذا يظل كل هذا الوقت محروماً من الأكل والشرب».
ويضيف استشاري الطب النفسي أن نسبة إفطار الشباب في نهار رمضان زادت بشكل كبير وإذا بحثنا في نفسيتهم سنجد أنهم أجبروا على الصيام مبكراً ونشأت في أذهانهم فكرة أن الصيام تعذيب لهم، وينصح الأهل بعدم المبالغة بالتعامل مع واقعة إفطار الأبناء وعدم معايرتهم بالأمر لأن ذلك يزيد من الأمر سوءاً في نفسيتهم ويرتبط لديهم رمضان والصيام بذكريات مؤلمة.
وعن الطفل الذي يصر على الصيام وهو في سن صغيرة، يبين الدكتور حمودة «علموهم أن الصيام للكبار وأنه يمكنه صيام وقت قليل يزيد بالتدريج كل عام. فالعادات العقلية والعاطفية والأخلاقية والإسلامية للصيام هي أكثر أهمية من القيام بالصيام نفسه، مثلاً أثناء تناول الطعام والشراب على سفرة الإفطار والسحور يجب أن يكون الوالدان سعيدين مما يشعر الطفل بحاجته إلى مشاركة والديه هذه الفرحة فيجعله يطلب منهما الرغبة في الصيام».
الرفق بالأبناء خصوصاً في أول سنة صيام لهم يشعرهم بالاطمئنان وتحمل المسؤولية ومراعاة ضميرهم
بينما تشدد الدكتورة مروة الشناوي، استشاري العلاقات الأسرية والتربوية بالقاهرة، على أهمية مراعاة نفسية الطفل والحرص على تواجده منذ الصغر على مائدة الإفطار، فتجمع الصائمين عند موعد الإفطار ومشهد تناول التمر حين يرفع آذان المغرب لهما أثر كبير في نفسية الطفل وجعله يقبل على الصيام ليكون مثلهم.
وتضيف «من الأفضل للأم إشراك الأطفال في اختيار ما تريدون تناوله في وجبتي الإفطار والسحور وإشراك الطفل في إعداد هذه الوجبات حتى يشعر بالسعادة لأنه عمل يختلف عما تطلبه منه الأسرة في الأيام العادية، وإلهاء من يجوع منهم بالنوم أو بألعاب مفيدة ليس فيها بذل وجهد وهناك برامج أطفال مناسبة وأفلام كرتونية تلهي الأطفال عن الوقت. كما يمكن للأم مشاركة طفلها في الإعداد لشهر رمضان بتزيين المنزل وتحضير بعض الملابس للذهاب للمسجد بصحبة والديه والتصدق على الفقراء وخاصة في شهر رمضان».
وترى الدكتورة مروة الشناوي أنه يجب على الأسرة خلق جو ومناخ يشجع الطفل على الرغبة في الصيام مثل تعويد الطفل على أنه يجب أن يطلب الأذن من والديه للصيام، ومشاركة الطفل في الليل تبييت النية للصوم في الليلة السابقة للصيام في شهر رمضان، ولكن يجب أن يكون هذا الطلب نابع بصدق من الطفل وليس عملاً قسرياً وإجبارياً من الأم على الطفل.
وحول تجربة الصوم لأول مرة، تتطرق الدكتورة مروة الشناوي إلى أنه يجب الحذر تماماً من استخدام القسوة مع الأبناء في أول سنة صيام لهم حتى لا يتصرف الأولاد بطريقة خاطئة ويأكلون ويشربون من وراء الأهل. فالرفق بالأبناء خصوصاً في أول سنة صيام لهم يشعرهم بالاطمئنان وتحمل المسؤولية ومراعاة ضميرهم في باقي حياتهم وتعاملاتهم.
أما الأسرة التي لديها طفل مريض بأمراض مزمنة ولا يصلح معها الصوم يجب أن تتعامل معه بحكمة وصبر فهذا الطفل يحتاج من المتعاملين معه كأمه وأبيه إلى وقفة لشرح الموقف حتى لا يشعر بألم نفسي بسبب اختلافه عن أقرانه، وهنا لابد أن يكون الأمر دينياً فنشرح له أن الله أعطى لنا رخصة في الإفطار بسبب المرض ليجعلنا سبباً في إطعام فقير جوعان عندما نخرج الكفارة وهو ثواب كبير يجب أن نحمد الله عليه.