لا ينكر أحد حق الأم على أبنائها وطاعتهم لها، فهي مفتاح لدخول الجنة من أوسع أبوابها، إلا أن هناك من تعاني عدم تفريق الحماة في طريقة التعامل مع ابنها أمامها، فانتقاده بطريقة فيها استهزاء دون النظر لاعتبارات أخرى تراه الأم تصرف طبيعي ولا غبار عليه، كونها صاحبة الحق المطلق على ابنها في تعنيفه على أي تصرف وقتما تشاء حتى ولو أمام زوجته وأبنائه، وتغض الطرف عن أي حسابات أخرى مستندة على ما تتمتع به من مكانة، وهو ما يزيد من جرأة الإخوة والأخوات على اتخاذ نفس المسلك باعتبار أن ما بينهم وبين أخيهم لا يخص أحداً غيرهم.
هل يعني وضع الأم وقيمتها ألا تعي للآثار المترتبة على مثل هذا السلوك وتأثيره على حياة الابن بشكل سلبي؟
حملنا هذا التساؤل إلى الدكتور محمد عيادة الكبيسي، كبير مفتين بإدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، ليطلعنا على رأي الشرع في ذلك، وعلق «العلاقة بين الأم وأبنائها من أقوى الصلات الاجتماعية، فمكانتها عالية غالية لا يدانيها أحد من البشر، وهي بطبيعتها حريصة على مصلحة ابنها ورعايته، لكن في بعض الأحيان لا تنتبه أن الصغير قد كبر وأصبح رجلاً، ولديه أسرة تحت مسؤوليته، وربما تعامله دون الانتباه لهذه الاعتبارات الجديدة، وتظن أن من حقها أن تنتقد ابنها كما تشاء دون حسيب ولا رقيب وأمام الآخرين كما تعودت؛ بل ربما تسيء إليه وتهينه بقصد أو بدون قصد، لكن ما لا تدركه هي أن تكرار تصرفها بدون سبب وجيه ومشروع قد يدخلها في عقوق الأم لابنها، وللأسف قد يشجع هذا التصرف السيئ بقية الإخوة أو الأخوات خاصة الأصغر سناً على انتقاد أخيهم كذلك، وقد يحدث ذلك أمام الزوجة بطريقة غير لائقة، وقد يكون في النقد استهزاء أو سخرية أو قسوة غير مبررة، وهذه المعاملة السيئة تجعل الابن البار بأمه بين نارين؛ إذ لا يستطيع في داخله أن يتقبل مثل هذه المعاملة، وهو في نفس الوقت حريص على ألاّ يجرح مشاعرها».
من أصول النقد أن يكون في السر وعلى انفراد، لأنه أمام الناس يكون نوعًا من التوبيخ الذي لا يقبله أحد، فالإنسان يكره أن يبين أحد خطأه أمام الآخرين
ويضيف «نقد الابن أمام زوجته قد يكون بدافع الغيرة أو بقصد التقليل من شأنه أو إفساد علاقته بزوجته، لكن ما لا يتم تداركه هو أنه قد يؤدي إلى فقدان ثقته بنفسه ومكانته في بيته، وقد يدفع الزوجة إلى تقليل احترامها له وعدم طاعته، فكيف تحترم شخصاً لا يحترمه أهله؟ وهذا وبكل تأكيد ينعكس سلباً على الأسرة وجميع أفرادها، فمثل هذه التصرفات غير الحكيمة فيها تجاوز لحدود الأدب وإساءة لهذا الابن واعتداء على كرامته وإنسانيته، ولا مبرر لها إلا الجهل بأحكام المعاملة وآداب الحوار في الشريعة الإسلامية، إذ أمرنا الله تعالى بإحسان الكلام مع جميع الناس، وقال في كتابه العزيز «وقولوا للناس حسنا»، كما وجهنا إلى الكلام الطيب اللين، حتى أمر الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام بتليين الكلام مع فرعون وهو أكبر طاغية في التاريخ، «فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى»، فالمؤمن يحرص على الأسلوب الحكيم والكلام اللين وهذا من نعم الله تعالى ورحمته بعباده، فالناس لا يتقبلون الكلام الفظ الغليظ، «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، فانتقاد الآخرين علناً وذكر عيوبهم وفضح أسرارهم من أساليب الشيطان في الإيقاع بين الناس وإفساد علاقاتهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بستر العيوب، وقال: «ومن ستر مسلماً، ستره الله يوم القيامة»، ومن أصول النقد أن يكون في السر وعلى انفراد، لأنه أمام الناس نوع من التوبيخ الذي لا يقبله أحد، فالإنسان يكره أن يبين أحد خطأه أمام الآخرين».
هل تتدخل الزوجة؟
يوضح سالم الحوسني، مستشار تربوي وأسري ومحاضر، «المرأة ترى في زوجها الرجل الذي تستند إليه في جميع أمور حياتها، وترفض أي تصرف ينتقص من شخصيته من أي فرد حتى ولو كان من والديه أو أقاربه، وفي هذه الحالة يتطلب من الزوجة التعامل مع الموضوع بحكمة لأن أي ردة فعل منها قد تنقلب نتيجته سلباً عليها، فأهل الرجل في الغالب لا يتقبلون أي توجيه من الزوجة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع ابنهم، لأنهم يرون أن لديهم الصلاحية المطلقة فيما يقولون وما يفعلون معه، وهنا ينبغي عليها الاحتكام إلى أحد الأشخاص من أصحاب الرأي والكلمة المسموعة في توجيه الأهل نحو الطريقة السليمة في التعامل مع الابن أمام زوجته، فكم من حالات لنساء لم يطقن مثل هذه التصرفات وجاءت ردود أفعالهن إما باعتزال ما يؤذيهن وقطع العلاقة مع أهل الزوج، أو بالاحتكاك المباشر معهم أو مع شريك الحياة، وهو ما يزيد المشاحنات في البيوت ويجعلها على صفيح ساخن».
ويكمل «ينبغي على الوالدين وكذلك الأخوات مراعاة القول والفعل تجاه الابن أمام زوجته ووضعه في المكان الذي يجعل منه كبيراً في عين زوجته، وأن يكون الاحترام والتقدير هما لغة الحوار، حتى تسهم في تنشئة الأبناء في بيئة صحية أساسها استقرار العلاقة بين الأبوين».