في العام 2018، قال وزير التربية الفرنسي «لوك فيري» إبان مقابلة تلفزيونية على قناة واسعة الانتشار ما يلي: «الرياضيات، في الحياة اليومية لا تفيد في شي».
وأضاف أنه لم يستخدم قط في حياته ما تعلمه من الرياضيات على مقاعد المدرسة.
عند سماعه آنذاك، تعاطفت معه فهو كان صدى لما كان يعتمل في نفسي، أنا المحبة للغة والأدب، حين كنت أدرس الرياضيات في المدرسة، على الرغم من أنني اخترت الفرع الأدبي من الثانوية العامة، وأسأل نفسي كل يوم «بماذا ستنفعني الرياضيات؟»، كنت أبرر لعلم الهندسة فائدته، لكن علم الجبر وسطور المعادلات التي لا تنتهي فلم يكن يوحي لي بشيء من الفائدة.
بيد أن أكاديمية العلوم الأمريكية قد نشرت مؤخراً دراسة من شأنها أن تقلب الأمور رأساً على عقب.
اعتمدت الدراسة الإجابة عن السؤال التالي:
«هل يمكن أن نرى أثراً في دماغ شابٍ نعرف من خلاله إن كان قد تابع دروساً في الرياضيات في السنوات التي تسبق شهادة الثانوية العامة؟».
وبقدر ما يبدو السؤال غريباً، جاءت الإجابة، بعد اختبارات ودراسات، أشد غرابة، وسوف نوجزها لكم حتى لا نضيع سوية في متاهات التجارب العلمية وشروطها الصارمة.
تقول الإجابة نعم هذا ممكن، لأن تركيز مادة «غابا» في الدماغ، وهي مرسل عصبي شديد الأهمية، يسمح بمعرفة ما إذا كان الطالب قد درس الرياضيات أم لا.
فممارسة الرياضيات هي التي تثري الدماغ بهذه المادة.
ولكن ماذا تفعل «غابا» في الدماغ؟ هي مرسل كابح للتيار العصبي يتعاون مع مرسلات أخرى محفزة له. وباختصار، يتعاون النوعان في تنمية الدماغ خلال فترة الشباب لزيادة مرونته والسماح له باكتساب معارف وكفايات إضافية.
ولا يمكن لـ«غابا» أن تبلغ المعدلات المطلوبة منها في الدماغ إلا عبر ممارسة الرياضيات.
ويعتبر وجودها حاسماً في كل أنواع الفكر المركب والذي يؤمن الطريقة المنهجية في العمل من أجل بلوغ هدف معيّن.
وهكذا فإن دماغ المراهق الذي اكتسب كل المرونة المطلوبة منه سيكون أكثر قدرة على التفكير بشكل منهجي وعقلاني طيلة حياته.
هذا يعني أن وزير التربية الفرنسي الذي يؤكد أن الرياضيات لا تنفعه في شيء في حياته، شأنه شأن الكثيرين، هو على خطأ. فالرياضيات قد نفعته من حيث لا يعلم، ومن المؤكد أن نتائج هذه الدراسة يجب أن تُعمّم على جميع المسؤولين عن وضع المناهج والبرامج التربوية، وعلى رؤساء المؤسسات التربوية والطاقم التعليمي فيها.
وربما وجب تعميمها على التلامذة أيضاً، وبالأخص من يكرهون الرياضيات منهم، سواء أكان لدفعهم على دراستها وممارستها أو لمواساتهم.