يجهل الكثير من الأسر أساليب التعامل مع المراهق، غير مدركين خطورة المرحلة وما يمر به من تغييرات تدفعه لبعض التصرفات غير العقلانية، بحثاً عن هويته ومكانته في هذا العالم.
ونتيجة غياب الحوار والتفاهم يشتعل فتيل الخلافات التي تشعره بالتشوش والاضطراب، وبالتالي يولد لديه صراع داخلي بين الرغبة في الاستقلال واعتماده على الأسرة.
وقد ركزت ورشة «مهارات تحليل سلوك المراهقين» التي نظمتها مؤسسة التنمية الأسرية، ضمن خدمة تنمية المهارات الوالدية ـ مرحلة المراهقة، وقدمتها المستشارة التربوية جليلة حمود، على الخصائص النفسية والسلوكية المرتبطة بالمرحلة العمرية للمراهق، والسعي إلى صناعة شخصية سوية في ظل وجود بيئة أسرية إيجابية.
تفسير سلوك المراهق وفهم سيكولوجيته، كان محل دراسة وتحليل علماء النفس لفترة طويلة، وعلى أولياء الأمور فهم ما هي طبيعة أبنائهم المراهقين، واستيعاب دورهم في صناعة شخصياتهم، فللمراهقة أشكال مختلفة منها «العدوانية والانسحابية والتوافقية».
كيف تفهم ابنك المراهق؟
وتبين المستشارة التربوية جليلة حمود: «تكمن المشكلة الأساسية للأهل في عدم فهم التغيرات الاجتماعية التي يمر بها المراهق، حيث ينشغل في هذه الفترة بالبحث عن هويته، ويلاحظ الآباء أشياء جديدة مثل أنماط الملابس، ونوع الموسيقى والفن، ومجموعات الصداقة التي يرتبط بها وتسمى بـ«متلازمة المراهق».
التقليد الأعمى للأصدقاء
المراهق في هذه الفترة يخضع لقانون الجماعة «الشللية»، حيث تشير الدراسات إلى أن أغلب مشاكل الأسر تكمن في سوء إدارة الموقف، خصوصاً في بداية المراهقة، وهي من الأسباب التي تشعل فتيل الخلاف بين المراهقين وأسرهم، نتيجة تأثرهم بوسائل التواصل الاجتماعي والالتصاق بالهاتف الشخصي الذي باتت فيه أهم وسائل التواصل في عصر متغير اختلطت فيه الأجناس والمعتقدات والقناعات، حيث يجد المراهق في هذه التغيرات الكبيرة نقاط التقاء مع مراهقين يمرون بظروف مشابهة من التطور الجسدي والجنسي والانفعالي والنفسي، ويبدأ بالتقليد الأعمى للأصدقاء».
الهرمونات تتحكم بالمراهقين
توضح المستشارة التربوية جليلة حمود «أن أدمغة المراهقين لا تعاني أي اختلال، لكنها تعمل بطريقة مختلفة. فهي مرنة لكنها في الواقع غير مكتملة، والمراهقة هي مرحلة نمو وتطور يكون الوعي فيها بين الجزء العاطفي وجزء اتخاذ القرار دائماً، فعندما يتعرض المراهق لأي موقف من المواقف الحياتية لا يمكنه تفسير ما يفكر فيه، فهو لم يفكر بقدر ما كان يشعر؛ لأنه تحت التأثير الكبير للهرمونات».
المراهقة العدوانية
تحذر جليلة حمود من «أنه من أخطر أنواع المراهقة هي المراهقة العدوانية الموجهة ضد الأسرة والمدرسة والذات، ويبدأ فيها المراهق بإهمال واجباته المدرسية، ويقوم بأعمال تخريبية ويلجأ للكذب واختراع القصص والمغامرات ليُظهر قوته، مما يوجب على أولياء الأمور التعامل معه بهدوء ومعرفة من هم أصدقاؤه والبعد عن العقاب البدني، حيث إن التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ في هذه المرحلة تؤدي إلى اضطرابات في المشاعر فيشعر بالتشوش وعدم الراحة، وهذا يفسر لماذا يتصرف المراهق بطريقة غير عقلانية، خصوصاً مع الوالدين وأفراد العائلة».
أهمية الحوار في التعامل مع المراهق
تكشف جليلة حمود : «يعد الحوار من المهارات المهمة التي على الأهل اعتمادها في التعامل مع الأبناء خلال فترة المراهقة؛ كونه من الأساليب التي تسهم في توطيد العلاقة وإضفاء الروح الإيجابية والثقة المتبادلة والصراحة المطلقة لحماية الأبناء من البيئة الخارجية، وتوفير عوامل الحماية لهم بالتقبل غير المشروط، وتجنّب النقد وحمايتهم من المقارنات مع الآخرين، وذلك بإشراكهم في أنشطة ذات قيمة وتعليمهم مهارات الحياة، والتعبير عن المشاعر وإدارة الغضب وحل المشكلات وإعطائهم مسؤوليات ووضعهم في مواقف للتعلم».
واجبات الوالدين
وتبين المستشارة التربوية جليلة حمود «أن جهل الوالدين للطرق التربوية وتبني سلوكيات غير صحيحة تصل بالمراهق إلى مرحلة الاكتئاب، هي نتيجة البيئة التربوية التي نشأ فيها الآباء والأمهات، والتجارب المؤلمة التي تعرضوا لها».
وعن تأثير أسلوب الإهمال والنبذ الذي يتبعه الوالدان مع الأبناء، توضح حمود أنه «تؤكد الدراسات أن أكثر الأمراض المؤثرة في الجهاز المناعي كالقلب والسكر، والسمنة والالتهابات، والقلق والسرطان، هي نتيجة الإهمال والنبذ الذي يعانيه المراهق،
فمن واجبات الوالدين:
- تعزيز ثقة شخصية المراهق وتدريبه على احترام الذات
- الابتعاد عن أسلوب التدليل وتلبية جميع المتطلبات؛ لما له من آثار سلبية عكسية ينتج عنها التمادي في الطلبات وفقدان الإحساس بالمسؤولية، مما يضعه في صراع داخلي بين الرغبة في الاستقلالية والاعتماد على الأسرة».
- تجنب أسلوب التفرقة؛ إذ «ينتهج بعض الآباء سلوكيات غير صحيحة، مثل تفضيل الذكور على الإناث أو تركيز الاهتمام على طفل دون بقية إخوته، بسبب بعض الصفات الفريدة مثل تمتعه بدرجة من الذكاء أو الجمال أو اختلاف العمر، حيث يكون الأصغر سناً محل رعاية واهتمام ودعم مادي ومعاملة خاصة، متناسين الآثار السلبية على بقية الأبناء التي تتولد عنها مشاعر الحقد والكراهية، والعقوق والانطوائية.
- تجنب إهانة المراهق: فإهانة المراهق تقتل احترامه لنفسه وأسرته والآخرين، وتكسر مكونات التواصل السليم وتهدد إحساسه بالأمان وتولد السلوك العنيف، فيصبح شخصية مهزوزة، ويلغي المعيار الذاتي للصواب والخطأ.
اقترب من عالم ابنك المراهق
وتختم المستشارة التربوية: «يمتلئ عالم المراهقة بالأحلام والأمنيات الغريبة البعيدة عن الواقع والمبالغة في تقدير الذات والإحساس بظلم الأسرة، والتعصب في القناعات، مما يساعد المراهق على تكوين هويته الاجتماعية النفسية على حساب الأفكار التي تهدم أو تبني ثقافته وهويته الذاتية الاجتماعية، بخلاف الأهل الذين يقلقهم أثر هذه الأفكار على التحصيل الدراسي، بينما يكون تعليم المراهق الأمور الدين ومعاملته معاملة حسنة، واحترام رغباته مع حرية التصرف في الأمور الخاصة، ومنحه الاستقلال النسبي من أهم عوامل المراهقة السوية التي يكون حصادها شاب ناجح كان في السابق طفلاً معتدل المزاج، نشط اجتماعياً ويمتلك مواهب واهتمامات وتحصيلاً دراسياً جيداً».
وتنصح جليلة حمود الآباء:
- احترموا الاختلافات بين الأبناء، فلكل شخص منهم طباعه الخاصة وفروقه الفردية التي يختلف فيها عن غيره.
- ركزوا على أسلوب التربية الإيجابية من خلال وضع القوانين الواضحة، وتقبل الاختلاف والمساواة بين الأبناء والتعبير عن الحب والاحترام وتشجيع المراهق على تصحيح الخطأ، والابتعاد عن أسلوب الإهانة وتعريضه لصدمات نفسية من خلال ممارسة العنف اللفظي وتوبيخه أمام الآخرين
- لا تفرضوا على المراهق المشاركة في أنشطة اجتماعية أو زيارات منزلية تعرضه للتجريح؛ لأنها لا تتناسب مع مرحلة نموه وتطوره، وبالتالي تحبطه نفسياً وتُكسبه الروح العدوانية.