25 ديسمبر 2022

د. هدى محيو تكتب: المزاج وراثة وعدوى

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: المزاج وراثة وعدوى

يشخط، يشتكي، يهمهم، يعبس ويهمدر... صاحب المزاج السيئ على الدوام هو ببساطة... صاحب مزاج سيئ، والسبب قد يكون كامناً في خريطة جيناته الوراثية.

هذا ما بيّنه باحثون بريطانيون وكنديون من جامعتي لندن وفانكوفر عند دراستهم لتوائم نصفهم حقيقي والنصف الآخر مزيّف ليلاحظوا أن التوائم الحقيقيين هم توائم كذلك في المزاج السيئ. لكن ليس هذا كل ما في الأمر، لأن نصف المزاج السيئ يأتي من الجينات والنصف الآخر من العوامل الخارجية التي يمكن أن تؤثر في عموم مزاجنا من هموم ومشاكل دائمة ومتكررة أو على العكس من حياة هادئة وأسرة مساعدة على التوازن وسواها من العوامل.

وفي المقابل، فإن المزاج الجيد، على عكس المزاج السيئ، يعتمد في ثلاثة أرباع من الحالات على أحداث خارجية كوجود أصدقاء نحبهم وتحقيق إنجازات في المجال المهني ولحظات الفرح والرضى المختلفة. وهذا يعني أن صاحب المزاج السيئ يمكنه أن يقلب مزاجه إن عمل على توفير الظروف المناسبة. فهنا تكمن قدرته على الاختيار، على الرغم من أنه سيظل يمرّ بأوقات سوداء إلا أنه يستطيع أن يخلق مساحات من الفرح ليروّح بها عن نفسه.

أما الأخطر في المزاج السيئ فهو أنه معدٍ كالانفلونزا، إذ بإمكاننا أن نصاب بسهولة بأمزجة الآخرين كما نصاب بجراثيمهم. وإذا ما التقيتم يوماً زميلاً لا يبدو في أحسن مزاج فإن ثمة خطراً بأن يتدهور مزاجكم أيضاً. وهذا ثابت علمياً ويُطلق عليه اسم «العدوى العاطفية» وهي ظاهرة قد نعيها مرّات لكنها تغيب عن وعينا في أكثر الأحيان.

وتزداد العدوى العاطفية قوة في إطار الحياة المشتركة لكن النساء أقل تأثّراً بمزاج وقلق أزواجهن من تأثُّر الرجال بقلق زوجاتهم. فهل لهذا السبب تشدد النصائح التقليدية التي توجّه إلى المرأة على ضرورة أن تستقبل زوجها بوجه بشوش؟ ربما تكون خبرة الأجيال قد سبقت هنا الدراسات العلمية.

ولكن في عودة إلى عدوى المزاج السيئ، لا بدّ أن نقول إن المزاج الجيد ينتقل هو أيضاً بالعدوى لأنه، كما نقيضه، يخضع لقانون المحاكاة الذي تفرضه علينا «الخلايا المرايا» في الدماغ والتي تدفعنا إلى محاكاة تعابير وجه محدِّثنا أو طريقة جلسته.

أما العبرة من كل ما سبق فهي حسن توفير الظروف الجيدة لمن ابتلي وراثياً بالمزاج السيئ، وحسن اختيار من نريد معاشرتهم عن قرب، فإذا كان لا بد من العدوى العاطفية من الأفضل لنا أن تكون عدوى المزاج الجيد.