24 أغسطس 2022

زوجي ينقل هموم العمل وصراعاته إلى المنزل.. ما الحل؟

محررة في مجلة كل الأسرة

زوجي ينقل هموم العمل وصراعاته إلى المنزل.. ما الحل؟

كثير من الناس لا يستطيعون الفصل بين عملهم وحياتهم الخاصة، فهناك من يحمل أوراقه وملفاته إلى البيت، وآخر يكتفي بحمل الهموم والمشاكل معه، إلا أن هناك من ينقل وساوسه التي اكتسبها دون إرادته من عمله، فنجد من تشتكي زوجها نتيجة إصابته بوسوسة النظافة بسبب احتكاكه المباشر مع الآخرين، وأخرى تعاني أزمة مع من تستلزم طبيعة عمله التدقيق في كل تفصيلة حتى ولو كانت بسيطة، وكذلك أمثلة كثيرة تجعلنا نسلط الضوء على انعكاس هذه الشخصية التي تجعل المحيطين بها يعانون في صمت وساوس عملها.

لماذا نتأثر بعملنا؟

الدكتورة بدرية الحرمي، استشارية الصحة النفسية، تطلعنا عن تجربتها الشخصية قائلة «نقضي أغلب ساعات يومنا في أداء مهام وظيفتنا، ومن الطبيعي أن نتأثر بطبيعة عملنا، بل من الممكن أن نكتسب بعض السلوكيات التي قد ننقلها إلى بيوتنا، فمثلاً بعض المهن في القطاع الصحي وبسبب طبيعة عملها تستدعي الاهتمام بإجراءات التعقيم والسيطرة على العدوى، وهو ما قد يصيب العاملين فيها بوسواس النظافة والخوف من نقل العدوى للآخرين، خاصة إذا تعلق الأمر بأفراد الأسرة. وأتذكر على سبيل المثال في بداية جائحة «كورونا» كان ينتابنا شعور بالتوتر حيال الأمور التي تحدث حولنا أو توشك على الحدوث، وكوني وزوجي طبيبين كان ينتابنا شعور بالقلق من إمكانية نقل العدوى لأبنائنا أو إصابة أحد الأشخاص المقربين من العائلة بالمرض، وخاصة وأننا في بداية هذه الجائحة كنا لا نعرف تماماً طبيعة المرض ومعلوماتنا عن هذا الفيروس المستجد كانت محدودة. وبالإضافة إلى ما تم فرضه من إجراءات احترازية وقائية، أتذكر في كثير من الأحيان كان يقوم زوجي بعزل نفسه بعيداً عنا لأيام إذا كان مخالطاً لإحدى الحالات الإيجابية معه في العمل، وكان يصاب بحالة خوف من أن يصاب أحدنا بضرر، فكان يزيد من فرط التعقيم وتطهير يده بالكحول. ورغم تلك الظروف الصعبة ولله الحمد استطعنا أن يكون لنا دور كبير في الدعم النفسي لأبنائنا وشرح الوضع بطريقة مبسطة لهم، حتى لا ينفروا من خوفنا المفرط عليهم، خاصة وأنهم كانوا صغاراً لا يستوعبون فكرة أن يكونون بعيدين عن أبيهم».

كيف تتعامل الزوجة؟

وتضيف الدكتورة بدرية الحرمي «أرى أن دور الزوجة يجب أن يكون فعالاً في دعم شريك حياتها، ومحاولة فهم حالته النفسية وما يمر به من اضطرابات، إذ يجب عليها أن تتحلى بالصبر والحكمة وتتحدث معه بكل شفافية، فالحوار المستمر يساعد على طمأنته واحتواء خوفه، كما من الضروري أن نتجنب اللوم أو أن نظهر علامات الضيق من سلوكياته، حتى لا يفقد الإحساس بالأمان فهو يعاني هذه الوساوس ويحتاج للدعم الإيجابي».

زوجي ينقل هموم العمل وصراعاته إلى المنزل.. ما الحل؟

الموازنة بين الحياة العملية والشخصية

د. خالد النقبي معالج نفسي وسلوكي، يوضح «تنبثق أهمية الأسرة في المجتمع من كونها مؤسسة مسؤولة تربوياً على تحقيق هدفين أساسيين، هما تكوين الفرد وصقل شخصيته، والمساهمة في تطوير المجتمع، وإذا كان رب الأسرة يقضي معظم وقته في العمل، فقد يكون لذلك آثار سلبية في حياته الشخصية، وعليه أن يفكر بعمق في العواقب الناتجة عن سوء الموازنة بين الحياة العملية والشخصية، إذ إن أحدهما في الغالب يسيطر على الآخر، فإما أننا نصطحب حياتنا الشخصية إلى العمل ويصبح جزءاً منها، أو أن العمل لا يترك لنا متنفساً ولا فرصة لأي حياة ويكون شريكاً أساسياً فيها، وهو ما يؤثر في الأسرة بشكل عام».

كيف نحقق التوازن المنشود؟

ويواصل «لتحقيق التوازن المنشود دون أن يترك العمل أثره على الفرد، على جميع أفراد الأسرة العمل على بث روح الإيجابية بالمنزل، فقد يلعب ذلك دوراً في تجاوز ما يمر به الزوج من اضطرابات تسبب فيها عمله، فمن الممكن أن يتشارك الجميع في القيام بنشاطات تخفف من حدة التوتر، مثل ممارسة التمارين الرياضية أو الخروج للتنزه، أو القيام برحلات خلال العطل الأسبوعية والصيفية. كما أن الانخراط في الحياة الاجتماعية والتواصل مع الآخرين يسهم في تحويل مسار تفكير الزوج وتشتيت انتباهه عن تكرار سلوكياته، وجعله ينشغل بأمور أخرى مفيدة. وفي حالة أن هذه الاضطرابات ازدادت بطريقة مفرطة قد توثر سلباً في العلاقة الأسرية فمن المهم أن نساعد الطرف الآخر بطلب الدعم من المختصين في هذا المجال، فالحياة الأسرية هي الأهم والمحافظة عليها تتوقف على عدم نقل سلبيات العمل وتأثيره لها».

أنواع الشخصيات التي تتأثر بسلبيات عملها

في هذا الإطار، توضح أماني سالم، خبيرة تربوية وأسرية، «لكل شخصية جوانبها المتعددة، منها العقلية، والنفسية، والسلوكية وغيرها، وهذه الجوانب تتأثر بالمتغيرات التي تحدث لصاحبها، فعلى سبيل المثال عندما يرتبط الزوج بعمل له طبيعة خاصة يستلزم مثلاً أن يكون منتبهاً لكل تفصيلة ويدقق في كل خطوة يتخذها، لا شك أنه ستظهر تأثيرات عمله هذه على حياته بشكل عام، ولذلك لابد أن يكون على وعي واستعداد لتلك المتغيرات، وكيف سيواجهها ويتكيف معها، ويجعل أفراد أسرته في ارتياح لوضعه. ويفرض ذلك على الزوجة توضيح وتوعية نفسها والأبناء لطبيعة عمل الأب وأهميته لهم، بل وتسهم في تقبلهم لتأثيراته السلبية، حتى تخلق في أذهانهم معنى الحياة وكسب الرزق وإدراكهم لقيمة ما يؤديه هو من دور يصب في مصلحتهم قبل أي شيء، ومن هذا المنطلق يصبح عندهم قبول لطبيعة هذا العمل».

وتكمل «الشخصية التي تتأثر بسلبيات عملها أنواع، فإذا كان التأثير بسيطاً فكثير من الحالات بمجرد أن نقدم لهم جلسة كوتشنج يتحررون من ذلك التأثير وتصبح حياتهم متوازنة، ولكن إذا تفاقم الأمر وأصبح مرضياً لابد من تدخل ذوي الاختصاص النفسي وبالتأكيد يجدون العلاج. كما لذوي هؤلاء الأشخاص دور أيضاً، مثلاً أن تنتقل دائرة تركيزهم على ردات أفعالهم، فبدلاً من أن ينشغلوا بسلوك الأب السلبي يصبح تركيزهم بتطوير سلوكياتهم للتكيف معه، وبالطبع يستلزم ذلك تعلم مهارات الذكاء العاطفي واكتسابها حتى ينعموا بالسلام الداخلي متحدين المواقف التي يمرون بها مهما بلغت شدتها».