هل يشعر الطفل الصغير بالألم كما يشعر به الكبار؟ هل الألم لدى الصغير أقل أم أكثر حدّة منه لدى الكبير؟ هل ينسى الألم بسرعة ولا يترك هذا الأخير أثراً لديه؟
ثمة أفكار شائعة كثيرة وبعضها مغلوط بالكامل حول الموضوع جاءت دراسات حديثة لتصححها. من هذه الأفكار أن الطفل المتألم يعبِّر عن ألمه بالبكاء دائماً. بيد أن الطفل يبكي كذلك حين يبتعد أهله عنه أو حين يأخذ رفيقه ألعوبته. البكاء، في الحقيقة، رد فعل انفعالي واحتجاجي لا يمكن اعتباره مؤشراً خاصاً على وجود إحساس بالألم، ووحده السياق يمكن أن يعطي تفسيراً لهذه الحالة.
وفي المقابل، حين يكون الألم شديداً ومستمراً، يتغير سلوك الطفل، فتختفي حركته ويتسمر في الوضعية الأقل إيلاماً له ويصير فاقد الاهتمام بمحيطه بالكامل. وبإمكانه أن يبقى صامتاً بلا حراك طالما دام الألم، وبالأخص الطفل الذي يبلغ من العمر أقل من ست سنوات.
ويقال أيضاً إن ألم الطفل سحابة صيف، تمر بسرعة فينساها ولا تترك أي تداعيات لديه. وهذا صحيح بالنسبة إلى آلام الحياة اليومية، كالحرق الصغير أو الجرح الصغير والمغص العابر. في المقابل، فإن الألم الشديد والمستمر يؤثر في الطفل طويلاً ويزيد من مخاطر إصابته بآلام مزمنة في سن الرشد.
وماذا عن إحساس الرضيع وحتى الجنين بالألم؟ كلنا نتعامل مع المولود الجديد برفق وعناية خوفاً من إلحاق الأذى به، لكننا لا نعرف كمية الألم التي يشعر بها. وقد أثبتت الأبحاث أن الرضيع يحس بالألم ليس فقط في المكان الذي يصيبه به بل يبدو له أنه يأتيه من منطقة أكبر من تلك التي يشعر بها البالغ حين يجرح إصبعه مثلاً، أي أن الألم ينتابه على مساحة أوسع من مساحة الإصابة المباشرة. وحتى الجنين يتألم وقد ثبت أنه يمكن أن يشعر بالألم منذ الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل، لذا يُعمل على تخدير الجنين في بطن أمه عند إجراء أي عملية جراحية له في داخل رحمها.
وقد نرى أحياناً لدى البعض موقفاً يقول إن الطفل لا يملك مصداقية فهو يشكو من كل صغيرة وكبيرة ويجب ألا نعيره كامل اهتمامنا. هذه المقولة صحيحة نسبياً لكنها تقيم خلطاً بين أمور عديدة. الرضيع والطفل كما أسلفنا قد يبكي لأي سبب يصيبه بالإحباط وقبل سن السادسة يجب التأكد من نوعية البكاء بحسب السياق الذي يندرج فيه.
أما بين السادسة والثامنة من العمر، فإن الطفل قد يشكو من آلام لا يشعر بها وهو يتظاهر بالألم أحياناً من أجل ألا يذهب إلى المدرسة مثلاً، أو بعد معركة مع رفيقه حتى يقع العقاب على الرفيق. وفي هذه الحالة، يختبر الطفل قدرته على خداع من حوله ويمتحن قدرة أهله في معرفة ما يدور في رأسه. وهنا يقع الأهل في حالة حيرة وإرباك لا يخرجون منها إلا بعد دراسة متأنية لأول المتاعب الحقيقية التي سيواجهونها في رحلة تنشئة الطفل وتربيته.