13 أغسطس 2023

إنعام كجه جي تكتب: إجازة مع بخيلة

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: إجازة مع بخيلة

كثيرات يفضلن السفر لقضاء الإجازة مع الصديقات وليس مع العائلة، أو على انفراد. لا متعة في السفر المفرد بدون رفيق ترتاد معه المطاعم والمسارح والمتاحف وتتبادل وإياه الملاحظات وتأخذ رأيه في المشتريات وتشتركان في التقاط الصور التذكارية. وهناك آنسات كثيرات غير متزوجات. وهن قد اعتدن السفر مع شقيقاتهن وقريباتهن أو صديقات العمر.

يقول المثل العربي: «الرفيق قبل الطريق». لكن هناك رفقة تحيل الرحلة إلى مسلسل متصل من النكد والجدل والشد والجذب وتنتهي بالخصام. وأكثر رفيقات السفر إرهاقاً للأعصاب هي البخيلة. إنها في دوامة معقدة من التدقيق في أسعار البضائع وغالباً ما يكون تعليقها: «نفس البضاعة عندنا أرخص وأحلى... ما هذا الغلاء؟».

أما إذا ذهبت الصديقات إلى تناول الطعام فإن الرفيقة ذات الكف التي لا تعرف الانبساط، لها خطط مسبقة تتعلق بالاقتصاد والتوفير. ومن ذلك أنها تراجع قوائم المقاهي والمطاعم وتصر على نصح باقي الرفيقات باختيار ما تراه هي مناسباً، لا ما يشتهونه ويحببن تذوقه أو تجربته. إن البخيلة لا تعرف متعة الانقياد للذائذ الصيف الجميلة وترك النفس لتحقيق رغائبها الصغيرة وتلبية نقاط ضعفها.

والأمر نفسه في الجدل مع سائقي سيارات الأجرة والمفاصلة مع البائعين في المتاجر، حتى لو كان العداد شغالاً وأسعار الثياب معلنة ومحددة. كأن خمسة دراهم زيادة هنا أو أقل هناك ستكسر ميزانية سفرة المصيف. باختصار: إنها تفسد على رفيقات السفر إجازتهن. ولتلافي أي سوء فهم لابد من الالتزام بثلاث قواعد: الأولى: لا تسمحي لتلك الرفيقة بأن تخطط تفاصيل الرحلة. ثانياً: لا تقرضيها أي مبلغ حتى لو كان تافهاً. وأخيراً: تأكدي قبل أي جولة من أنها لم تنس محفظة نقودها.

لا تفهم تلك الموسوسة أن من فوائد السفر التعرف إلى أقوام آخرين وثقافات مختلفة. إنها تنتقد كل ما تمر به، وتشيح وجهها عما تراه. ولا يعجبها العجب. تدخل المتاحف ممتعضة وتخرج ممتعضة. ويحتاج الأمر إلى مفاوضات طويلة لإقناعها بالذهاب إلى عرض مسرحي أو سهرة غنائية. وهي تقف حاجزاً أمام كل محاولة للتعارف بين إحدى رفيقاتها وبين أهل البلد أو سياح عابرين. لا تدرك أن تلك اللقاءات هي من صنع القدر. وكثيراً ما تكون خطوة أولى لتغيير مستقبل إحداهن.

إن طباع المرء في الحياة اليومية تختلف عن طباعه في الرحلات والعشرة الطويلة. فالسفر يكشف الشخصيات ويستخرج ما هو مخبوء في أعماق النفس البشرية. تسقط أقنعة اللطافة والكياسة وحسن المعشر وتظهر الوجوه على حقيقتها.

لذلك، يحدث أن تنتهي تلك السفرات المشتركة بخصام بين صديقتين أو قطيعة نهائية. وفقدان صديقة أفدح من فساد الإجازة.

 

مقالات ذات صلة