09 نوفمبر 2023

د. هدى محيو تكتب: متى تكون رعاية الأهل لأطفالهم "رعاية مفرطة"؟

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: متى تكون رعاية الأهل لأطفالهم

أن تهتم بشؤون أطفالك وأن تعمل على إحرازهم النجاح في حياتهم، هذا ما يسمى رعاية الأهل لأولادهم. أن تفعل هذا طوال الوقت، من دون انقطاع بهدف تحقيق تربية مثالية وطفل مثالي، فهذا ما يسمى إفراط في الرعاية، مع ما يرافقه من خطر ممارسة ضغط شديد على الجميع.

ماذا يعني الإفراط في الرعاية؟ إنه يعني أن الأهل يريدون أن يقوموا بمهامهم بشكل مثالي، مع تكريس كل الوقت والاهتمام والمساعدة للطفل في شتى الميادين. وقد يتحول الاهتمام الزائد إلى رغبة في السيطرة التامة وتحقيق أقصى الأهداف ما يؤدي إلى حرمان الطفل من تحقيق استقلاليته الضرورية مع الزمن.

حين نحلم بأن نكون أهلاً مثاليين نربي طفلاً مثالياً، نعيش ثلاثة أنواع من الأوهام من الضروري أن نتعلم التخلص منها.. الوهم الأول هو السعي إلى أن نكون في غاية الهدوء في جميع الأوقات، وهذا يعني كبت كل المشاعر والانفعالات مترقبين مشاعر الطفل وانفعالاته بحذر شديد، الوهم الثاني هو السعي إلى التواصل الدائم والإصغاء الدائم إلى الطفل والحوار المستمر معه على قدم المساواة إلى درجة محو الحدود بين ما يجدر قوله للطفل وما لا يجدر قوله، وبالتالي الحدود بين حالة الطفولة وسن الرشد، والوهم الثالث هو التفهم الشديد لكل ما يصدر عن الطفل من سلوك غير سوي مع شطب عبارة «إطاعة الأوامر» من القاموس التربوي مع ما يرافقها من ثواب وعقاب منعاً لوجود أي عقبة أمام «تحقيق الطفل ذاته».

بالطبع، لا يعيش الأهل مفرطو الرعاية الأوهام الثلاثة بالحدة ذاتها لكنهم، في أي حال من الأحوال، يعيشون حالة منفصلة عن الواقع ونوعاً من المثال الذي يستحيل الوصول إليه، على الرغم من سعيهم الحثيث الذي لن يوصلهم إلا إلى الإحساس بضغط هائل وشعور ساحق بالذنب كلما ابتعدوا عن تلك المبادئ التي اعتبروها «مقدسة».

في سبيل الخروج من حالة الرعاية المفرطة التي تنغص حياة الأهل والطفل على حد سواء، ثمة حل واحد وهو: العمل على تخفيف الضغط الذي نمارسه على العلاقة التربوية، أي الضغط الذي يمارسه الأهل على أنفسهم وعلى الطفل. أما الطريق الأسلم للوصول إلى علاقة سوية فهي التخلي تماماً عن أوهام ثلاثة أخرى: وهم أن باستطاعتنا أن نكون أهلاً مثاليين، وهم أننا سنتمكن من تربية طفل مثالي، وهم أننا نعيش وأطفالنا في عالم مثالي.

بهذه الطريقة فقط سنتمكن من أن نكون أهلاً «جيدين بما فيه الكفاية»، معرضين للوقوع في الخطأ بالطبع، وهذا ما سيعلم الطفل القبول بثغراته وبناء نفسه في سياق عملية نمو طبيعية، لا تطلب المستحيل من الأهل والطفل، بل ما هو طبيعي لحياة طبيعية.

إقرأ أيضاً: 5 أسئلة تساعدك على تربية طفل يعتمد على نفسه