23 أبريل 2024

مسلسل "بابا جه" أثار الجدل.. متى يشعر الطفل بأن وجود والده مثل عدمه؟

محررة متعاونة

مسلسل

أثار مسلسل «بابا جه» الذي عرض في دراما رمضان هذا العام ردود فعل واسعة، بخاصة أن المسلسل تناول قضية هامة تعانيها بعض الأسر، وهي فكرة الأب الغائب الحاضر، ودوره في الأسرة.. ودارت أحداثه حول حياة الأب الذي يتخلى عن دوره لسبب ما، وكيف تكون أسرته مفكّكة.

ورغم أن أحداث المسلسل جاءت في إطار كوميدي إلا أنها تمكنت من توصيل الكثير من الرسائل، وكشفت القناع عن العلاقات بين الآباء والأبناء في مجتمعات الـ«سوشيال ميديا» الحديثة.

طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات على خبراء العلاقات الأسرية والتربية وأساتذة تعديل السلوك، حول الظروف التي تجعل من الأسرة التي يكون فيها الأب هو الغائب الحاضر مفكّكة ومعرّضة للكثير من الأزمات؟

مشهد من مسلسل «بابا جه»
مشهد من مسلسل «بابا جه»

الأب غائب حاضر.. من المسؤول، وكيف يحضر؟

بداية، تؤكد الدكتورة ميسون الفيومي، أستاذة العلوم السلوكية وخبيرة العلاقات الأسرية في مصر، أن المسلسل بالفعل تناول قضية هامة للغاية، ولها دور كبير في التأثير في نفسية الأبناء، وتشكيل سلوكاتهم، وهي غياب الأب لسبب ما، وتقول «القيادة في الزواج ليست مجرد لقب، بل هي مسؤولية وتواجد، وتربية الأبناء مسؤولية، وهي أساس أي مجتمع ناجح، فإنتاج أطفال أسوياء من الناحية النفسية والجسدية أمرٌ يستحق العناء من الأسر ومن المجتمع».

وتوضح استشارية العلوم السلوكية، أن الأب الغائب الحاضر في كثير من الأحيان لا يدرك خطورة وتأثير هذا الأمر في أولاده، وفي نفسية زوجته، ومدى تحمّلها وصبرها، بخاصة إذا كان هذا الأب الذي يقضي معظم وقته خارج المنزل منشغلاً بالعمل، وغارقاً في الاجتماعات ومسؤوليات العمل، لأن الزوجة التي كانت تحلم بزوج يشاركها حياتها اليومية، ثم وجدته يتبخر يوماً فيوماً، لن تعيش حياة سوية، وبالتالي لن تربّي أبناء أسوياء.

أما الصورة الأخرى للأب الحاضر الغائب فقد تتمثل في الأب الذي ينشغل عن أسرته بأصدقائه، وجلساته معهم، فما أن يعود من عمله حتى يتناول الغداء ليرتاح قليلاً ثم يمضي المساء كاملاً مع الأصدقاء، ويحرم زوجته وأطفاله من الجلوس معه، أو الخروج معه.

وتلفت الدكتورة ميسون الفيومي النظر إلى إشكالية أخرى يسببها غياب الأب عن القيام بواجباته، وهي صراع الأدوار، بخاصة إذا كان الزوج لا يعمل، وكانت الزوجة من اللواتي يلتحقن بأعمال خارج المنزل، حيث تسعى المرأة في هذه الحالة إلى أن تكون قبطان السفينة وتتحول إلى ربّ الأسرة، وهو خلاف الفطرة التي فطرت عليها المجتمعات.

مسلسل

لماذا يتخلّى الأب عن مسؤولياته كربّ أسرة؟

وحول الأسباب التي تجعل الأب يتخلّى عن مسؤولياته كربّ للأسرة، وقائد لها، ترى الدكتورة ميسون الفيومي أن أغلبها تتلخص في أمور عدّة:

  1. بعض الآباء تكون بداخلهم ندوب قديمة ،وجروح لم يتم شفاؤها من أبيه، أو أسرته ـ كما ظهر في مسلسل «بابا جه» ـ وهذه الأمور تترك بداخله علامات تؤثر في علاقته بأبنائه، ويظنّ خطأ، أنه طالما لم ينتهج نفس سياسة أسرته، ونفس النهج الذي تربي عليه في علاقته بأبنائه، إذن، فهو على الطريق الصحيح، ويكون بذلك هو أب جيّد.
  2. أحياناً تكون الزوجة هي السبب في تكاسل واعتمادية الأب، لأنها قبلت منذ البداية بأن تتولى عنه الكثير من المهام، وربما هي التي سعت لهذا الدور ظناً منها أنها بذلك تخفف عن الزوج وتساعده.
  3. الزوجة المسيطرة تسعى في كثير من الأحيان لتهميش دور الأب وتسعى طوال الوقت لإثنائه عن القيام بأي واجبات، وتدخل معه في صراعات عدة كي تتملك هي زمام الأمور بالكامل.
  4. بعض الأزواج والزوجات يقسمان الأدوار منذ البداية بشكل خاطئ، بحيث يكون الأب هو المموّل فقط، والزوجة هي التي تدير وترتب كل الشؤون الأسرية وتتولى تربية الأبناء وتشكيل سلوكاتهم، ويستمران في الخطأ سنوات وسنوات.

مسلسل

تربية الأبناء مسؤولية مشتركة ولا مبررات للغياب

ويتفق معها الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي وخبير نفسية الطفل بالقاهرة، في أن الأب السلبي غير المسؤول الذي دارت حوله أحداث المسلسل يؤثر في حياة الأبناء، ويحول دون اكتمال شخصياتهم على نحو جيد، بخاصة أن الأم تضطر في هذه الحالة للعب دور المهيمنة والمسيطرة، ولأنها عادة ما تكون غاضبة، ورافضة لسلبية زوجها المتناهية تصبح ذات تأثير سلبي هي أيضاً في الأبناء، وتصبّ جام غضبها عليهم، وتصبح أكثر عصبيّة، وتميل إلى تقديم الحماية الزائدة لهم رغبة منها في تعويض النقص في شخصية الأب.

الآثار السلبية لأسرة الأب السلبي والأم المسؤولة

ويشير الاستشاري النفسي والخبير في نفسية الطفل، إلى أن هناك تأثيرات عدّة، يعانيها أبناء هذه الأسر التي تعيش في نمط الأب السلبي، والأم التي تتولى مهام الأب:

  • هُم بلا شك سيعانون قلّة الثقة بالنفس.
  • عدم القدرة على وضع حدود في علاقاتهم بالآخرين، أو لأنفسهم.
  • يكونون أكثر عرضة لنوبات الغضب والهياج.
  • كما أنهم قد يتبنّون النمط نفسه فيكونون آباء وأزواجاً غير أسوياء، وسلبيين في المستقبل، بخاصة مع الأبناء الذكور، فالأب هو من يدخل الأبناء عالم الذكورة، ويعرّفهم بالصورة الصحيحة للتعامل، وهو أيضاً البطل الأول وصورة الرجل الأول في عيون البنت، ولذلك فالحاجة إلى تفاعله، وتواجده الكامل ليس ترفاً، ولا خياراً.

ويشدد الدكتور جمال فرويز على أن أخطر نموذج في حياة الأبناء عندما يكون الأب لا يقوم بدوره لا تربوياً، ولا في الإنفاق، لأنهم وقتها لا يجدون أي مبرّرات لغيابه عن حياتهم، وتكون مشاعر زوجته وأبنائه أكثر سلبية تجاهه، بل في بعض الأحيان يتمنى البعض لو لم يكن موجوداً، وربما حينها كانوا سيجدون من يساعدهم. ويضيف «دائماً ما أحذّر الآباء والأمّهات من الانشغال عن أولادهم في الصغر، وإهمال تربيتهم، وأؤكد أهمية العلاقة النفسية التي تربط بين الآباء وأبنائهم، وأهميتها منذ الصغر، بوسائل مختلفة، ومن ضمنها عدم إيكال رعاية الأطفال لغير الوالدين، فتوطيد العلاقة ما بين الآباء وأبنائهم شيء مهم لتنمية الرابط النفسي للابن، وتعليمه كيف يكون ذاكراً للجميل، ووفياً لوالديه عند الكبر».

مسلسل

وصفة مضمونة لأبناء أسوياء وأسرة مستقرة

من جهتها، تؤكد الاستشارية النفسية الدكتورة إكرام خليل، المتخصصة في العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، أن الطفل يستشعر، منذ نعومة أظفاره، الدور الحقيقي الذي قام به الأب في حياته، وهل كان فعلاً هذا الأب على قدر المسؤولية، أم كان فعلاً كما قالت البنت عن والدها في مسلسل «بابا جه»: «مالوش لازمة». وترى أننا يجب أن نحترم ذكاء أولادنا، ولا نهز صورتنا الذهنية أمامهم حتى لا يتجرّأون علينا في الكبر.

وتقدم الدكتورة إكرام خليل مجموعة من النصائح للآباء والأمهات حتى تستقيم أدوارهم في حياة أولادهم ويكوّنون معاً أسرة سوية:

  • أن يكون لدى الأم الكفاءة والذكاء لتشجيع الأب على القيام بدوره، ولا تستسلم ولا تيأس، بخاصة أن أبناء الأب السلبي يصابون بالخلل النفسي في كثير من الأحوال، فيشبّون أما على النمط نفسه، أو رافضين تماماً له، فيكونون إمّا سلبيين تماماً، وإما مسيطرين ومتحكمين تماماً.
  • عندما يغيب الأب لا يمكن لأي شخص أن يحلّ محله، لا الجد، ولا العم، ولا الخال، لذلك يجب أن يدرك الأب أن دور أي شخص في حياة أولاده لن يعوضهم غيابه، حتى وإن كان هذا الشخص من أقرب المقربين، له أو للأبناء.
  • يجب على الزوجة أن تُعد جدولاً مناسباً لقضاء أيام الإجازة، وتسند فيه مهام للأب بالتدريج ليندمج مع حياة أولاده، ولكن يجب أن يتم ذلك بذكاء، وأن تكون هذه المهام ممتعة حتى لا ينفر منها الأب وينقلب الأمر «خناقة» زوجية.
  • الأمر الأكثر أهمية من قيام الأب بهذه المهام هو ردّ فعل الزوجة بعد إنجازه لها، ففي كل الأحوال يجب أن يجد منها الكثير من المديح، والتشجيع، والمحبةن والاحترام، والمودة، حتى يتقبل تكرار الأمر، ولا يصاب بالإحباط.
  • ونقول للزوجة التي تستمتع باتكالية زوجها وترى في ذلك تعزيزاً لسيطرتها على كل مقاليد الحكم داخل الأسرة، الأمور لا تقاس هكذا، ولا تظنين أنه انتصار لك، إذ ستدفعين ثمنه لاحقاً في إخراج أبناء غير أسوياء للمجتمع، وعندما يصبحون شباباً لن تستطيعي السيطرة عليهم مطلقاً، وسوف يتمرّدون عليكِ.
  • لا يجوز للأب أن يترك أبناءه من دون رعاية، بل يجب عليه أن يجلس معهم جلسات يومية يتعرف إلى أخبارهم، ويستمع إلى ما فعلوه في يومهم، ثم يوجّههم ويرشدهم إن أخطأوا، ويشجعهم إن أصابوا، حينئذ تسود روح التفاهم والتعاون بين أفراد الأسرة، ولا يجوز في هذه الحالة أن يستأثر أحد الطرفين بهذه المهمة، ويهمّش دور الطرف الآخر نهائياً، فالأم عليها أن تدرك أن الأب لا غنى عنه مهما تصورت نفسها قوية وحازمة، ولا يمكن لها أن تحل محله، كما أن الأب لا يستطيع مهما فعل أن يعوض الأبناء عن حنان أمهم.
  • إذا كان غياب الأب واقعاً لا محالة، وهو القدر الحقيقي الذي تعيشه الأم، فهنا تكمن أهمية أن تقترب الأم من طفلها قدر الإمكان، وتشعره بأهميته في حياتها، وأنها تعتمد عليه في كثير من الأمور، ويجب كذلك أن توضح له أن هناك الكثير من التحديات التي يواجهها كل إنسان في حياته الخاصة، ويجب أن يتحمل المسؤولية، ويتعلم كيف يواجهها، ويتأقلم مع الظروف المحيطة حتى لو كانت تخالف رغباته.

اقرأ أيضاً:
- زوجي سلبي ولا يشاركني المسؤولية.. كيف أتعامل معه؟
- من المسؤول عن تربية الأبناء.. الأم أم الأب؟