كان محارب «الساموراي» العجوز يكرس وقته ليعلم الشبان فنّه، وقد اشتهر بحكمته وحُكيَ همسًا أنه قادر على التغلب على أي عدو مهما كان.
ذات يوم جاء محارب عُرفت عنه طريقته الاستفزازية إذ إنه كان ينتظر خصمه حتى يخطو الخطوة الأولى ويساعده ذكاؤه الحاد حتى يستغل أخطاءه، فيهجم عليه بسرعة البرق.
لم يكن هذا المحارب الشاب قد خسر معركة يومًا، وقد بلغت مسامعه شهرة الساموراي العجوز فجاء ليهزمه ويتوِّج مجده به.
قبِل المعلم العجوز التحدي، والتقى الخصمان في الساحة العامة بحضور كل تلامذة المعلم الذين جاؤوا لتشجيعه. بيد أن المحارب الشاب أخذ يهين خصمه ثم يرمي الحجارة نحوه ويبصق على وجهه.
فعل هذا لساعات طويلة واحتال حتى يستفز المعلم الذي لم يرفّ له جفن. وعند هبوط الليل، سيطر الانهاك على المحارب الشاب فانسحب ذليلاً.
لكن تلامذة المعلم استاؤوا لمشهد معلمهم يقبل هذا القدر من الإهانات والاستفزازات بلا ولا رد واحد، فسألوه عن الأمر ليجيب عن سؤالهم بالقول: «إذا قدّم أحدهم هدية إليكم ورفضتموها، من يبقى صاحب الهدية؟» فرد أحد أتباعه قائلاً: «تبقى الهدية لمن أراد أن يقدمها».
فقال المحارب الحكيم: «هذا صحيح، والأمر سيّان بالنسبة إلى الحنق والغضب والإهانات. حين لا نقبلها تظل ملكًا لمن يحملها في قلبه». قد لا تصح هذه الحكاية في جميع السياقات وكل الحالات، لكنها تذكرنا أن السلطة الوحيدة التي يملكها الآخرون علينا هي تلك التي نقبل بإعطائها إياهم. فإذا ما انتقدَنا أحدهم أو جاملَنا وغيَّرْنا سلوكنا حتى يتوقف عن انتقادنا أو حتى يعاود إطراءاته لنا، فهذا يعني أننا نقبل بأن نصبح دمية بين يديه يكفي أن يشد خيوطها حتى نتحرك.
لكن الله لم يخلق أي إنسان حتى يكون طيلة حياته دمية بين أيدي سواه، ربما تكون هذه مرحلة ضرورية خلال الطفولة حينما يعمل أهلنا على تربيتنا، وربما نقبل مؤقتًا بوضع كهذا لأسباب محددة، لكن كل واحد منا يحمل في ذاته توقًا إلى أن يعيش حياة مستقلة عن نظرة وعن إرادة الآخرين. وهكذا فإن الساموراي الذي يترك الآخر يهينه ويستفزه، لا يسمح له في الحقيقة أن يفرض عليه سلوكه ولا يسمح لنفسه أن يتصرّف من أجل إرضاء أو من أجل إغضاب الآخر، لذا فهو نموذج من الحكمة والتصالح مع النفس. ليس من السهل تقليده بالطبع، لكن الطريق إلى السكينة الداخلية تمر من هنا.