19 أكتوبر 2020

د. حسن مدن يكتب: آثار أقدام على الرمال

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: آثار أقدام على الرمال

هي نعمة أن تصحو من نومك عند شروق الشمس أو قبله بقليل، وأنت بمحاذاة بحر ممتد، وسماء صافية. تخطو خطواتك القليلة التي تفصل المكان الذي تقيم فيه نحو شاطئ البحر، الذي كان هادئاً ساعتها، وعيناك مصوبتان نحو الشمس الخارجة لتوّها، مثلك، من بيتها، تستعد لنثر ضوئها الساطع على الدنيا من حولها. بقعة في قلب السماء من مجموعة ألوان، لا من لون واحد، لكنها وجدت السبيل للتجانس فيما بينها.
هدوء مِن حولك. لا شيء هنا غير الهدوء. أغلبية الناس الذين أتوا لقضاء إجازتهم في المكان نفسه نيام، وإن لم يخلُ شاطئ البحر من شغوفين مثلك برؤية الشروق. تقول لنفسك، المأخوذة بنسمات عليلة من هواء تشعر أنه آت من صوب البحر، هي فرصة للمشي بقدمين حرّتين، حافيتين، كي تلامسا طراوة الرمل القريب من البحر. وحيداً مشيتْ. من كانوا هناك، والذين بالكاد يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، كانوا جلوساً على كراسي البحر، وأعينهم، مثلك، نحو الشمس لحظة شروقها.

ما أجمل المشي في صباح مثل هذا. لا تعلم أي باعث حملك على مراقبة ما خلّفه من مشوا قبلك من خطوات على الرمال نفسها في المساء السابق لصباحك. لقد كانوا حفاة الأقدام كما أنت الآن. أقدام صغيرة لأطفال، أقدام كبيرة للكبار، وأخرى في منزلة بين المنزلتين. انشغلت بالتخمين أيها تكون آثار أقدام لرجال، وأيها لنساء، كلما كبرت آثار القدمين وزاد عرضها قررتَ أنها لرجال، وحين تصغر بعض الشيء ويقل عرضها خمنتّ أنها لنساء.
هناك آثار لأقدام منفردة متباعدة، وآثار أقدام شخصين متقاربين أثناء المشي، ومن خريطة رسمها على الرمال بدت لك أنها آثار قدمي رجل وامرأة. هي الحياة هكذا، نقطعها متجاورين من شريك نحبه، أو نقطعها وحيدين، وحيدين جداً.
بدا لك أن آثار الأقدام المتقاربة تعود لزوجين أو عاشقين، خلتَ أن يد أحدهما ترتاح في كفّ الآخر، وهما يمشيان مستمتعان بالحديث أو حتى بالصمت المعبر، حين تكون شحنة المشاعر أقوى من الكلمات، ولعلّ الآثار المنفردة، المتباعدة، تعود لرجل وحيد، قطع المسافة، منفرداً، أو امرأة وحيدة التمست لنفسها فسحة من عناء الآخرين وعناء الحياة.
لا تعلم لماذا حضرتْ أبيات محمود درويش إلى ذهنك، وأنت غارق في تأملاتك: «أنا للطريق/ هُناك من سبقت خُطاه خُطايّ/ من أملى رؤاه على رؤاي/ هناك من نثر الكلام على سجيته/ ليدخل في الحكاية أو يضيء لمن سيأتي بعده أثراً غنائياً.. وحدساً

 

مقالات ذات صلة