في كثير من الأحيان يكون الألم النفسي عميقاً جداً حتى أن الكلمات تعجز عن التعبير عنه فيصمت المرء عن الكلام، لكن الألم لا يصمت ويظل يحكي ويحكي ولكن ليس بالكلمات. هو يستخدم وسائل أخرى للتعبير عن نفسه، للخروج إلى الملأ، يستخدم الجسم جسراً للعبور إلى الخارج.
الألم النفسي العميق الذي نعنيه هنا قد يكون ناجماً عن أسباب متعددة ولا حصر لها، عن وفاة شخص عزيز، عن فشل في تجربة غرامية، عن خسارة المرء كل ما يملك، عن خيانة صديق.. عن كل ما يمكنه أن يطرح عليك تساؤلاً حول معنى الحياة ومعنى وجودك فيها، وكل ما يمكنه أن يدمر ما عملت لأجله وحلمت فيه وأملت بتحقيقه.
ربما كان المتنفس الأبسط للألم هو أن نبكي ونضع الكلمات المناسبة على هذه الدموع، هو أن نصرخ ونضرب ونخرج هذا الغضب والخوف والحزن من أحشائنا. لكن ثمة آلاماً في الحياة تكون كبيرة إلى درجة اليأس فلا تعود تخرج سوى بواسطة المرض الذي يصيب الجسم.
كثيرة هي الأبحاث التي أثبتت أن الألم النفسي يترافق مع مؤشرات في الدم تدل على وجود التهاب في الجسم، كما أثبتت أن الالتهاب يساهم في جميع الأمراض تقريباً التي تصيب البالغين. وقد صار معروفاً أن حالة الاكتئاب مرتبطة بحالة التهاب أشد، وأن من فقدوا شريك حياة عزيز، على سبيل المثال، معرّضون بشدة للإصابة باكتئاب شديد أو بنوبة قلبية أو دماغية. وآخر دراسة في هذا المجال أجريت منذ سنتين ودلت على أن خطر الإصابة بنوبة قلبية يزيد بعد خسارة شخص عزيز ليرتفع خطر الوفاة بنوبة قلبية في الأشهر الستة التالية بنسبة واحد وأربعين بالمئة.
كل هذا للقول إنه ينبغي على المرء أن يأخذ الأمور على محمل الجد إن كان يشعر أنه مريض من الحزن أو أنه على وشك أن يموت حزنًا.
عبارة «مات حزناً» موجودة في اللغة وهي ليست مجازاً ولا استعارة، وإن كان سواها كذلك، كعبارة «انفطر قلبه»، فهي للدلالة على ما يشعر به المرء في جسمه حينما يصيبه ذاك الألم العظيم.
عبارة «مات حزناً» ليست طرفة ولا مسرحية هزلية ومن المؤكد أنها ليست مبالغة. فحين يتألم المرء يعني هذا أن ثمة شيئاً يجري على المستوى الجسدي وليس فقط على المستوى النفسي أو في الخيال.
الإنسان المتألم يجب أن يعامل كما يعامل الإنسان المريض، برفق وصبر ومحبة. هو في حاجة إلى عناية تماماً كما لو أنه مصاب بمرض خطير لئلا يصيبه هذا المرض. هو بحاجة إلى هذه العناية حتى يتمكن من أن يقلب الصفحة ليكتب صفحة جديدة وإلا فإن ثمة خطراً كبيراً أن يُقفل الكتاب برمته.